-
غب شهراً وعد .... هكذا بدأت رحلة لجوئي
-
الجزء الثاني
أحمد القصير - صحفي سوري
قضيت في لبنان ما بين 16 - 09 - 2011 حتى شهر كانون الأول 2012، و قبل عودتي بشهرين قرر صديقي المقرب (رضوان إسماعيل) أن يعود إلى سوريا.
رضوان كان يعمل معالجاً فيزيائياً لمساعدة جرحى الثورة الذين أدخلوا إلى لبنان للعلاج، حينها ذهبت لوداعه في قهوة المنار في منطقة أبي سمرا في طرابلس، جلست معه بحصور ابن عم لي كان قرر العودة هو الآخر مع صديقي رضوان إلى سوريا، وبدأ الاثنان يقنعاني بالعودة معهما، وتحديدا كانت والدتي السجينة لدى النظام قد أفرج عنها قبل أيام بعد اعتقال دام ما يقارب الستون يوماً، حيث ترافقت فترة اعتقالها مع إضرابات واستعصاء في سجن حمص المركزي .
رفضت العودة مع رضوان ومن معه من أصدقاء، فوعدته بأني سألحق به بعد شهر، بعد أن أنهي بعض التزاماتي في لبنان، وفي نهاية لقاءنا لا أدري ما الذي جعلني ألتقط صورة لرضوان ولابن عمي وقلت لهم مازحاً سأحتفظ بهذه الصور حتى أنشرها إذا استشهدتما، وعندما رأى رضوان الصورة، لم تعجبه وقال لي: "ما ظابطة، عيدها كرمال تكون صورة مرتبة اذا استشهدنا"... ضحكنا وقتها كما لم نضحك من قبل، يبدو أن إحساسنا بالموت يتغلغل مع ضحكاتنا.
لم نكن نعلم أن هذا أخر لقاء يجمعنا، وأنها آخر صورة ألتقطها لهـ وأنها فعلاً ستكون الصورة التي ستنشر مع خبر استشهاده.
ذهب رضوان مع تسعة شباب آخرون عبر طرقات التهريب الطويلة التي احتاجت منهم ثلاثة أيام سيراً على الأقدام، في اليوم الرابع استيقظت على خبر فقدانهم في الجبال بين سوريا ولبنان، وبدأنا بالاتصالات والبحث عنهم يوماً كاملا لم نهداء بمحاولة إيجادهم، والأخبار متناقضة، وروايات مختلفة عنهم ولا احد يعرف الحقيقة، فتارة يقال اعتقلوا وأخذوهم إلى المراكز الأمنية في دمشق، وتارة يقال بأن من اعتقلهم قام بدهسهم بالدبابة !! ....
للأسف فقدوا يومها، اختفوا واختفت الرواية الحقيقية لاختفائهم معهم، ومن يومها وحتى اللحظة لم نعد نعلم عنهم شيئاً...
حالة من الاكتئاب سيطرت علي، بقيت لمدة خمسة أيام لا أستطيع أن أنهض من مكاني، ولا أستطيع النوم، وإن نمت فأنام لدقائق واستيقظ مفزوع، كنت أجول في منزلي فأرى بضع حبات من اللوز تركها رضوان على براد منزلي الصغير أثناء إعداده للمقلوبة يومها لنفطر معاً، وأرى الأشياء التي خلفها خلفه في منزلي وظل على وضع يده، كنت أنظر لتلك الأشياء كلها و أكاد أجن فأخرج مسرعاً من منزلي راكباً سيارتي متجها إلى الشط في طرابلس أبتاع القهوة والماء من أحد بائعي الطريق، لأبقى حتى ساعات الصباح هناك، تارة أبكي، وتارة أذكر موقفا ًمضحكاً بيننا، وتارةً أذكر كيف كان يريني فيديوهات كان قد صورها أثناء علاجه للجرحى حتى يستعيدوا عافيتهم، فكان يرى الفيديوهات ويضحك ويقول لي: " انظر هنا، المريض في هذا التمرين الموجع هو بحاجته لكن أحيانا يشتموني من شدة الألم فأعلم حينها أنني حققت العلاج لهم بالطريقة الصحيحة "
أعود أدراجي لمنزلي في ساعات الصباح الباكر محاولاً النوم الذي فارقني لأيام ...وحتى اللحظة لا أستطيع النوم بشكل طبيعي.
هنا بدأت أفكر مليا بالعودة إلى سوريا، وباشرت في تصفية التزاماتي وقررت العودة بدون أي تردد لأنطلق من طرابلس إلى عرسال كي أعود من هناك.
قد تحب أيضاe
تصويت / تصويت
هل العنصرية ضد المهاجرين ممنهجة أم حالات لاتعبر عن المجتمعات الجديدة؟
الأكثر قراءة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!