-
اسبانيا: مهاجرون يتحدثون عن خيبتهم في اعادة توطينهم
-
أحلام وردية مزقها الواقع
خاص- اسبانيا
سنوات طويلة من الانتظار قضوها في لبنان، يتحملون الظروف السيئة هناك، حالمين باليوم الذي يتلقون فيه خبر إعادة توطينهم ضمن برنامج التوطين التابع للأمم المتحدة.
لكن أحلامهم باتت كوابيس بمجرد ما صار حلمهم حقيقة ووصلوا إلى إسبانيا، لم يكن الواقع كما توقعوه أبداً.
مجموعة من السوريين المشمولين في برنامج الأمم المتحدة للتوطين في اسبانيا تواصلت مع منصة "المهاجرون الآن"، يستنجدون لعرض مشكلتهم وايصال أصواتهم شارحين خيبتهم، فما يعانوه يومياً مختلف كلياً عما قامت مفوضية اللاجئين في لبنان بعرضه عليهم حين أخذوا موافقتهم على القدوم إلى اسبانيا.
السادة "حسين قداح، أحمد درويش، محمد بلال، مصعب النابلسي، إبراهيم مطر، وليد الدرزي، خالد مطر، محمد عميرات، محمد حمزة، عبد الله الداوود، " تكلموا باسم أكثر من خمسين عائلة سورية وصلت من لبنان ضمن خطة إعادة التوطين إلى إسبانيا، منذ مدد مختلفة، أقدمهم مضى على وصوله عام كامل، وأحدثهم لم يمض على وصوله شهر وعدة أيام، ومع ذلك يقول بأنه لن يتحمل يوماً إضافياً على هذه الحال.
يعيش السوريون الواصلون إلى اسبانيا في كافة المناطق الاسبانية، منهم ضمن بيوت مشتركة بالسكن، وآخرون في فنادق مؤقتة، وبعضهم في سنتر للسكن ما يشبه كامب اللجوء، وموزعين على أكثر من جمعية.
إعادة التوطين؟
يقضي برنامج التوطين أن تقوم الأمم المتحدة بتقديم دورة صغيرة، أو عرض تقديمي، للأشخاص المقبولين في البرنامج في المنطقة التي تقدموا فيها بطلبات إعادة التوطين، تخبرهم فيها عن كل مراحل التوطين، من خلال فيديو مترجم يشرح للاجئ كل شيء سيمر به خلال توطينه، منذ وصوله أرض المطار وحتى نهاية مدة البرنامج.
ليقوم بعدها اللاجئ بالموافقة أو الرفض، وفي حال الموافقة يقوم بالتوقيع على موافقته ليتم نقله من بلد النزوح – بلاد الجوار- إلى بلد التوطين.
في اسبانيا، تتولى نظام إعادة التوطين في إسبانيا حوالي عشرين منظمة غير حكومية، تعمل بإشراف وزارة الهجرة والدمج والضمان الاجتماعي وبالتعاون معها. يغطي البرنامج سنة وثمانية أشهر من حياة اللاجئين، ترافقهم منذ اليوم الأول لوصولهم وتنقسم إلى مرحلتين: الأولى ستة أشهر، خلال هذه الفترة يتم استقبال طالبي اللجوء وتعليمهم اللغة ومساعدتهم على الاندماج وتدريبهم في دورات مهنية ومساعدتهم في إتمام كافة أوراقهم وأوضاعهم القانونية، وفيها تستقبل الجمعيات العائلة القادمة من المطار وتسكنها في منزل مشترك ريثما يتم الانتهاء من إعداد الأوراق الرسمية ويدخل الأطفال مباشرة الى المدارس وبالطبع يسمح القانون للمتوطنين الجدد العمل منذ اليوم الأول لوصولهم – إن وجدوا وإن أرادوا-
في خلال مدة البرنامج والتي تمتد لقرابة عامين، تتكفل الجمعيات بدفع إجار السكن والنقل والطبابة وكافة الرسوم، إضافة لفواتير الماء والكهرباء، وتتكفل الجمعيات بتأمين طعام العائلة أو تعويضهم بثمنه، كما تتكفل بتأمين كافة احتياجات الأطفال الرضع حليب صناعي، وأدوية وحفاضات ... الخ، وكافة احتياجات اللوازم المدرسية للأطفال في سن المدرسة، إضافة لصرف بدل ثياب مرتين في العام صيفاً وشتاءً، وبعدها يصرف لكل فرد بالغ خمسين يورو شهرياً مصروف جيب وعشرين يورو للطفل.
وعند الوصول إلى إسبانيا، يحصل اللاجئون المُعاد توطينهم فوراً على وضع اللاجئ أو الحماية الفرعية، بما في ذلك جميع الحقوق والمزايا المفصلة في قانون اللجوء الإسباني.
كما يتم إصدار بطاقة الهوية وتصاريح السفر والعمل، ويُمنح المُعاد توطينهم، مثل جميع المستفيدين من الحماية الدولية في إسبانيا، إقامة دائمة لمدة خمس سنوات في البلاد، وبعد فترة خمس سنوات من الإقامة القانونية، يمكن لمن حصلوا على وضع اللاجئ التقدم بطلب للحصول على الجنسية الإسبانية. بالنسبة للمستفيدين من أنواع الحماية الدولية الأخرى، فإن فترة الإقامة المطلوبة هي عشر سنوات.
الواقع والصدمة
بالرغم من أن برنامج إعادة التوطين يعتبر جيد نظرياً، مقارنة بما عاناه السوريون في دول الجوار عامةً، وفي لبنان تحديداً إلا أن مجموعة من السوريين الذين تواصلوا معنا كانت تجربتهم الواقعية مختلفة تماماً، إذ لاقوا فروقاً كبيرة بين ما سمعوه ووقعوا على قبوله في لبنان، وبين ما وجدوه في إسبانيا.
يشتكي السيد عبدالله الداوود سوء الرعاية الطبية فأحد أبنائه يعاني من خراج في أسنانه الأمامية، والثاني لديه التهاب مزمن في جيوبه الأنفية، وتضطر زوجته لإلصاق أسنانها بالألتيكو -لاصق معروف في سوريا وقوي جداً- ومع ذلك منذ وصوله منذ تسعة أشهر حتى اليوم لم تأخذهم الجمعية لعيادة طبيب أو مشفى وكلما طلبوا من الموظف المسؤول عنهم يؤجلهم للغد وما بعد الغد حتى يئسوا كلياً من العلاج.
ويشتكي السيد داوود قطع المساعدات عن عائلته، بعد أن وجدت زوجته عملاً بالزراعة لمدة شهرين وتقاضت ألف يورو عن كل شهر فانقطع عنه مبلغ المساعدة اليومية ومبلغ الطعام، مع الحفاظ على مجانية السكن ولوازم الأطفال، لكن الرجل يشتكي بأنهم قرروا قطع المساعدات لثمانية أشهر والمفروض أن يتم قطعها لمدة أربعة أشهر فقط كون مصروف الجيب مع الطعام يبلغ 500 يورو شهرياً والمبلغ الذي تقاضته زوجته هو 2000 يورو فقط.
أحمد درويش والذي يصف وضعه بأنه أفضل من سواه، يروي لنا معاناته مع السكن المشترك منذ أن وصل إلى إسبانيا حتى اليوم، ويضيف بأن أحمد عن بعض العائلات باتت تعاني حالات نفسية بسبب السكن المشترك مع أغراب من جنسيات مختلفة وأعراق مختلفة وأديان مختلفة وهذه الأسرة ترى الأمر مزعج جداً بالنسبة لهم – على حسب تعبيرهم-ويعتقد درويش بأن إيجاد سكن خاص قد يكون من سابع المستحيلات، وهذه مشكلة تواجه الجميع لأن الجمعيات تترك مهمة البحث عن سكن على عاتق اللاجئ وحده، وليست الصعوبة فقط بعقلة العروض المتاحة، أو الحالة الفنية السيئة للبيوت المعروضة للإيجار، بل لب المشكلة هو رفض أصحاب المنازل تأجيرها للاجئين وبدون فسمعة الجمعيات سيئ جداً لدى أصحاب المنازل، فهي لا تلتزم بالدفع ما انعكس سلباً على مشكلة السكن السلبية من الأساس، كذلك يطلب أصحاب المنازل ومكاتب العقارات عقود عمل من اللاجئين وبطاقة الإقامة ما يزيد الطين بلة، إذ إن توفُّر هذه الشروط عند اللاجئين خلال وجودهم في إسبانيا لمدة ستة أشهر فقط يعتبر ضربا من المستحيل، فالعمل يحتاج للغة قوية واللغة القوية تحتاج سنوات، والعمل الذي لا يحتاج للغة هو عمل موسمي شهرين او ثلاثة في العام بحيث لا يسمن ولا يغني من جوع.
تؤكد المجموعة لـ " المهاجرون الآن" بأن أوضاع العائلات السورية هنا سيئة للغاية، وأن لا شيء هنا كما وصفوه لهم قبل الوصول.
يقول السيد خالد مطر أحد أفراد المجموعة بأن السوري يحب العمل، لكن المشكلة في اسبانيا في قلة العمل، وشبه انعدامه كونهم لا يتكلمون الاسبانية، ويقارن أن الأوضاع في لبنان كانت أسوأ من السوء على حد تعبيره لكنهم استطاعوا التأقلم لأنهم كانوا يعملون وهو اليوم يحلم بعمل فقط ولا يريد عندها أي مساعدات من أحد لكن الجمعيات غير مهتمة بتعليمهم اللغة إذ تسجلهم في دروس مجانية لمدة ساعة واحدة في الأسبوع ويعقب السيد مطر مازحاً " بالمدارس ونحن صغار وبالعربي وما فلحنا، فكيف بدنا نفلح بساعة بالأسبوع؟"
تؤكد المجموعة أن جميع العائلات السورية تواجه ذات الصعوبات مع فروقات بسيطة ويرون أن أساس المشكلة هو تسليم شؤون التوطين للجمعيات وليس للدولة، ويؤكدون أن خطة الاندماج التي تتبعها المنظمات غير كافية وغير متكاملة ولا تضع بالحسبان المهمات المطلوب إنجازها خلال الوقت المحدد لبرنامج التوطين.
وبالفعل شهدت الأوضاع المعيشية في إسبانيا تراجعاً ملحوظاً في السنوات السابقة، لدولة تعاني من أزمات اقتصادية عصفت بها وتركت أثارها واضحة في الحياة العامة فانخفض الحد الأدنى للأجور، وتراجعت القدرة الشرائية للمواطنين، كما خسر سوق العمل العديد من الوظائف ما زاد نسبة البطالة في البلاد، ما انعكس بشكل مباشر على مستوى المعيشة اليومي للمواطنين والقاطنين في البلاد، كل هذه الأمور مجتمعة تجعل إسبانيا بلداً غير مناسباً للجوء ولا للتوطين، وإن جلب المزيد من السوريين أو غيرهم من الجنسيات بقصد التوطين لهو لخطأ كبير، وحظ قليل لمن تقع عليه القرعة.
يؤكد السوريون الذين تواصلوا معنا بأن مواطنون إسبان يلومونهم على قبولهم التوطين والقدوم لإسبانيا، ويستغربون كيف لم ينصحهم أحد بعدم القدوم إلى إسبانيا.
السيد إبراهيم مطر يلوم السوريين الذين سبقوه بأنهم لم يكونوا صادقين أبدا، ولم ينصحوهم أو يحذروهم من الوضع في اسبانيا ويؤكد وليد الدرزي أنه في حال تأمن لهم عمل فهم لن يعتمدوا على أحد ولا يريدون مساعدات من أحد، ويطالب بأن تكون إقاماتهم أوروبية لا حماية دولية كي يتسنى لهم العمل في أي مكان آخر غير إسبانيا.
ينوي إبراهيم ومعه عدد من السوريين الذين تواصلوا معنا مغادرة إسبانيا باتجاه أي دولة أوروبية أخرى، وغالباً ألمانيا، في حين قرر آخرون العودة إلى بلد عربي، فلم يعد لديهم أي أمل يبقيهم هنا.
يختتم السيد مصعب النابلسي حديث الجميع وهو يتكلم بكثير من الألم:" منطلع على حالنا بنشعر اننا عايشين بحصار، لا معك مصاري، ولا في شغل، وكل شي غالي، وما حدا بيقدر يساعد حدا، الجمعيات إداراتها سيئة وفاسدة ومافي خطة للاندماج، وين نروح؟"
وأرسل المهاجرون الذين تواصلوا مع المنصة بعض المقاطع المصورة لمطبخ احدى مقرات اللجوء في اسبانيا:
العلامات
قد تحب أيضاe
الأكثر قراءة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!