-
هولندا: لاجئون يروون قصص هجرتهم غير الشرعية من مخيمات هولندا (3)
-
حلقةرقم 3
أمستردام (تير أبل) - خاص - محمد عيد
تواصل منصة المهاجرون الآن تسليط الضوء من مخيم تير إبل شمال هولندا على استعراض قصص بعض المهاجرين حول تفاصيل رحلاتهم الشاقة، بغية الوصول إلى هولندا.
وبعد نشر رحلة اللجوء لـ "سيماز.ص"، ومعاناة "أبو جاسم.س" وزوجته "عائشة.ن"، نتابع مع رحلة اللجوء لأبو محمد القلموني، التي لم تكن مجرد رحلة عابرة، فما حملته من صعوبات شاقة، وتحديات كبيرة، مرّ بها أبو محمد على مدار ثلاثة شهور ونصف، كانت كفيلة في تغير الكثير من ملامح وجهه، وخصوصا بعد أن غزا الشيب شعره وذقنه، نتيجة للأحداث القاسية، التي عاشها في رحلة لجوئه برفقة الطفل القاصر هادي، الذي رافقه بعد أن طلب والد هادي من أبو محمد السير معه، على أمل أن يبدأ بإجراءات "لم شمل" لأسرته في المستقبل.
أبو محمد القلموني ابن إحدى القرى في القلمون، بدأت قصته آواخر العام 2013، عندما قرر دخول لبنان عبر الحدود السورية اللبنانية بطريقة غير شرعية، خوفاً من حواجز سلطات النظام السوري، والتي كانت منتشرة حول المنطقة، فوصل مدينة بعلبك من خلال سيارته التي كان يملكها، وعاش في المدينة لمدة عام بدون عمل، ثم انتقل إلى منطقة صنين في لبنان، ليعمل مع إحدى شركات النقل، ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان ، قرر أبو محمد السفر إلى أوروبا في شهر سبتمبر أيلول عام 2021، وبدأ التجهيز لإجراءات السفر بعد الاتفاق مع المهربين، وخلال هذه الفترة، طلب أحد أقارب أبو محمد، أن يرافقه في رحلته ابنه القاصر البالغ من العمر 14 عاما، ليقوم لاحقاً بلم الشمل لعائلته.
بداية الرحلة كانت عبرَّ الاتفاق مع سمسار سوري، بعد تسلم مبلغ 1000 دولار عن كل شخص، وانطلقت رحلة لجوء أبو محمد من منطقة وادي خالد في لبنان، ليتسنى له الدخول مرة أخرى إلى الأراضي السورية، بطريقة غير شرعية من خلال الخط العسكري، فكان موعد الانطلاق في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، حيث كان ينتظرهم باص ضمن الأراضي السورية، كتب على لوحاته طرطوس اللاذقية.
يروي أبو محمد لمنصة المهاجرون الآن: “بعد الصعود إلى باص البولمان مع مجموعة من الأشخاص وأغلبهم من العساكر المنشقة عن الجيش النظامي، جلسنا على أرضية الباص، حيث لم يكن هناك مقاعد متوفرة، ولم يخضع البولمان لأي تفتيش.
بعد مروره على أكثر من خمسة حواجز عسكرية تابعة للجيش السوري، وعلى ما يبدو كان هناك اتفاق مع المهربين، وبعد وصولنا إلى إحدى النقاط في الشمال السوري، جاءت سيارة تكسي ونقلت الأفراد الذين ينون الهجرة غير الشرعية على مراحل، حيث كان يشرف على عملية النقل شخص عسكري من منطقة نبل في حلب، وتم نقلي مع الصبي إلى منطقة اسمها خرابة ( شمال حلب )، وانتظرنا لمدة 3 أيام مع مجموعة من المهاجرين الذين تعرض الكثير منهم للضرب من قبل المهربين، ثم الانطلاق لمنطقة دير حافر بسيارة، كانت تسير بسرعة حالي 140 كم في الساعة، ووصلنا إلى مكان فيه تجمع ضم حوالي 70 شخصا، وكانت هذه المنطقة تسيطر عليها فصائل من القوى منها حركة أحرار الشام وفصائل من الأحزاب الكردية وقوات النظام السوري، ثم تم نقلنا إلى منطقة جديدة تابعة لمحافظة إدلب حيث سيطرة فصيل حركة أحرار الشام، وكان أحد المهربين ينتظرنا مع المجموعة، وبدأت رحلة الانطلاق من هذه المنطقة للوصول إلى الحدود التركية.
في تركيا
يتابع أبو محمد: "دخلنا الأراضي التركية بعد محاولات لأكثر من شهر بالاتفاق مع مهرب من دمشق، الذي سهل عبورنا من خلال نفق يصل بمنطقة حدودية بسوريا وأخرى بتركيا، طبعاً بعد دفع مبلغ مالي وقدره 4000 دولار، وجلسنا في أحد المنازل لمدة 3 أيام، وكان في المنزل 6 أشخاص مخطوفين، 3 نساء و3 رجال، وأتذكر أنه تم دفع مبلغ وقدره 10 ألاف دولار عن كل امرأة أطلق سراحها، وكان صاحب البيت سوري الجنسية الذي كان يحاول ابتزازنا طوال الوقت، و يأخذ 50 دولار على كل وجبة طعام .
مكث أبو محمد 3 أيام في المنزل، جاءت الأوامر من المهرب التوجه مع مجموعة من الأشخاص إلى منطقة قونه التركية، واستلمهم مهرب لنقلهم إلى مدينة إسطنبول التركية، ووصل أبو محمد إلى العنوان الذي حدده المهرب المسؤول عن مجموعته، ليستلمهم شخص يطلق عليه تسمية "بيري" المسؤول عن الطريق كدليل، وكان يتقاضى مبلغ 300 يورو عن كل شخص لإيصالهم إلى منطقة حدودية تسمى "المثلث" والتي تجمع الأراضي اليونانية والبلغارية والتركية.
كان برفقة أبو محمد 16 شخصا تجمعوا بالقرب من نهر ماريتسا التابع للأراضي البلغارية، في البداية لم يتسن لهم ركوب القارب المطاطي "البلم" للانتقال إلى ضفة النهر الأخرى، لكون منسوب مياه النهر قد ارتفع وكان شديد الجريان، فانتظر أبو محمد مع المجموعة في المنطقة، لمدة 3 أيام، تحت المطر الشديد والبرد والجوع، ثم صدرت أوامر من المهرب لركوب البلم والعبور باتجاه الأراضي اليونانية، وخلال هذه الفترة الزمنية القصيرة، اكتشف الجيش التركي عملية تسللهم، ولكن لم يستطع أن يفعل شيئاً، بعد عبورهم إلى الأراضي اليونانية.
ضرب وتعذيب وأمل
بدأت رحلة أبو محمد في الأراضي اليونانية، التي كانت شديدة الصعوبة، نتيجة الغابات الكثيفة والأمطار التي أعاقت حركتهم، وخاصة أثناء السير ضمن الأراضي الزراعية الموحلة، واستمروا في المشي لمدة 5 أيام متواصلة، عانوا خلالها التعب والبرد، ومع فترة المشي الطويلة، يقول أبو محمد أنهم فقدوا الإحساس بأقدامهم، ووصلنا إلى ما يسمى بنقطة التحميل في الأراضي البلغارية، ومشينا كمجموعة لمدة يومين حتى وصلنا إلى منطقة اسمها (خرملي) وكان الاتفاق أن تصل سيارة إلى خرملي لنقلهم إلى مكان جديد، ولكن للأسف لم تصلهم السيارة في موعدها المحدد، وقضوا ليلة عاصفة مع الأمطار والرياح، وبعد 24 ساعة جاءت السيارة، وباشرت بنقل المجموعة التي كان يبلغ عددها 12 شخصا إلى منزل كان قد حدده المهرب مسبقاً.
وبعد التجمع بمدة قصيرة، ألقت السلطات البلغارية القبض على المجموعة التي حولتهم بدورها إلى مخيم مغلق، أشبه بسجن، وبدأت المجموعة حفلة من التحقيق والتعذيب من قبل السلطات البلغارية، حيث تم تعرية الجميع من ملابسهم، وانهالوا بالضرب المكثف، وانعدمت من المخيم شروط الحياة الإنسانية حيث لا طعام إلا ما ندر، ومياه الشرب يحصل عليها المحتجزين من مياه التواليت، ويروي أبو محمد أن الكثير من المحتجزين السابقين قد أصابهم مرض الجرب وانتشر في كافة أنحاء جسدهم، وخلال فترة الحجز التي استمرت لمدة 23 يوماً، تم نقلهم إلى مخيم مفتوح، وأجبرت السلطات البلغارية المجموعة التي ألقوا القبض عليها على بصمة دبلن.
خرج أبو محمد من المخيم بعد رحلة عذاب عاش تفاصيلها مع الطفل هادي، وأخذوا ورقة الطرد من السلطات البلغارية، ليتواصل بعدها مباشرة مع المهرب المسؤول عن رحلته، الذي طلب منه التوجه إلى العاصمة البلغارية صوفيا، ووصلها منهكاً، وأقام في منزل مع مجموعة مؤلفة من 21 شخصا باتجاه الحدود الصربية، بعدها طلب المهرب انفصال المجموعة الكبيرة إلى مجموعات صغيرة، وكانت مجموعة أبو محمد مقرر لها المشي 15 كم باتجاه مدينة اسمها "بايرت" ضمن الأراضي الصربية، وانتظروا السيارات، لنقلهم إلى وجهة جديدة، ولكن للأسف لم تصل، وخلال هذه الفترة ألقت السلطات الصربية القبض على مجموعة أبو محمد، وأعادتهم إلى نقطة البداية في غابات بلغاريا، بعد أن تم كسر شريحة الهواتف للجميع، وأمام هذا التحد الكبير وحالة الإحباط التي بدأت تسيطر على أبو محمد مع رفاقه، وخاصة أنهم تذكروا حملة التعذيب التي عاشوها مع السلطات البلغارية، قرروا العودة من جديد إلى صربيا، ولحسن حظ أبو محمد أن مسار الرحلة، قد تم تخزينه على خارطة غوغل في هاتفه الجوال، فمشى عليها بدون انترنيت، بالتوازي مع ضفة النهر باتجاه صربيا.
وصل أبو محمد إلى إحدى القرى، وتسوق الطعام والشراب وتواصل مباشرة مع المهرب، بعد أن حصل على الأنترنت من السوبرماركت، فوجهه المهرب بالعودة إلى النقطة السابقة التي تم القبض عليه فيها بصربيا، وفعلا وصل النقطة المتفق عليها حيث كان ينتظره شخصان، ووجهوه لركوب باص متجه إلى العاصمة الصربية بلغراد.
من هناك توجه أبو محمد مع مجموعة جديدة من الأشخاص نحو الحدود الهنغارية، وكان يوجد فندق في المنطقة، نام فيه لمدة 5 أيام ، ثم تسلمه مهرب آخر، لكي يتم نقله مع الصبي من هنغاريا إلى حدود النمسا ودفع أبو محمد مبلغ 7000 يورو مع الصبي، ثم انطلق باتجاه فيينا، بعد مبيته في بيت أحد المهربين ليوم واحد، بعدها تم التواصل مع مهرب أخر لينقلهم كمجموعة بلغ عددها 6 أشخاص، منهم 4 ذهبوا باتجاه بلجيكا، بينما أبو محمد والصبي قررا التوجه إلى هولندا، التي وصلاها في الساعة الرابعة صباحا، واتجها إلى مركز اللجوء في "تير آبل".
بدأت إجراءات اللجوء لأبو محمد على أمل أن الحصول على الإقامة الدائمة في القريب العاجل لعائلته، في ظل تفاصيل رحلة قاسية عاشها، ولم تغب يوما عن ذاكرته، علاوة عن الكلفة المالية الكبيرة التي تكبدها، وبلغت حوالي 26 ألف دولارا مع الصبي القاصر الذي تربطه به قرابة العائلة.