الوضع المظلم
الأربعاء 08 / أكتوبر / 2025
  • مع ترشح هنري حمرا لمجلس الشعب السوري...من هم يهود سوريا؟

  • لماذا هاجر يهود سوريا إلى الخارج؟
مع ترشح هنري حمرا لمجلس الشعب السوري...من هم يهود سوريا؟
هنري حمرا - الصور من الإنترنت ومؤسسة التراث اليهودي في سوريا - Photo from internet

نورس يكن

عاد يهود سوريا إلى الواجهة بعد سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر 2024، بعد غياب دام نحو 35 عامًا. يُعرف اليهود السوريون، أو "الطائفة الموسوية"، بأنهم مكون أصيل من المجتمع السوري، وقد عاشوا في سوريا لآلاف السنين قبل أن تتغير الأوضاع مع قيام دولة إسرائيل عام 1948.

تركز وجود يهود سوريا بشكل أساسي في حلب ودمشق والقامشلي. وقد انقسموا في البداية إلى مجموعتين رئيسيتين قبل أن يندمجوا بشكل شبه كامل. قُدر عددهم عند انهيار الدولة العثمانية بين 50 و100 ألف شخص، وهاجروا من سوريا على فترات متفاوتة. غادر جزء منهم في الهجرة الأولى إلى الولايات المتحدة مطلع القرن العشرين، بينما خرجت أعداد أخرى خلال فترة الانتداب الفرنسي مع تصاعد التوترات مع اليهود بسبب أعمال المجموعات الصهيونية في فلسطين. بقي جزء كبير منهم بعد الاستقلال والنكبة، ولهم قصة منفصلة.

المزراحيون والسفارديون

اليهود الأصليون في سوريا هم المزراحيون. أما القادمون من إسبانيا عام 1492 بعد سقوط الأندلس، فقد كانوا السفارديين. في البداية، كان هناك تمييز واضح في اللغة والطقوس الدينية لكل مجموعة. تركز السفارديون في حلب، بينما كانت دمشق المعقل الرئيسي للمزراحيين. مع مرور الوقت، طغت عادات السفارديين وطقوسهم على ثقافة جميع اليهود في سوريا.

حياة اليهود في سوريا

عاش اليهود في سوريا "على الحلوة والمرة" كما يقال. نشطوا بشكل رئيسي في التجارة، وكذلك في الثقافة والفن، ولم يكن لهم حضور في المشهد السياسي سواء في الفترة العثمانية أو بعدها. في فترة الانتداب، توظفوا في الدولة وعملوا في جميع القطاعات. اشتهر منهم عدة تجار وأطباء، ومثلوا في البرلمان لكنهم لم يصلوا إلى مناصب عليا في الدولة.

عام 1948 كان نقطة تحول مأساوية. فمع إعلان قيام دولة إسرائيل، تحول اليهود في سوريا بين ليلة وضحاها من مواطنين إلى "خونة محتملين" في نظر الحكومات المتعاقبة. ففي عام 1947، وقبل الإعلان الرسمي، وقعت "أحداث حلب" التي هاجم فيها سكان غاضبون الحي اليهودي وأحرقوا كنُسًا ومنازل.

بعد النكبة: التمييز والاضطهاد

تعرض اليهود السوريون بعد النكبة لحرمان ممنهج من الحقوق الأساسية، أبرزها حرية التنقل والهجرة. حظرت الحكومات المتعاقبة، بما في ذلك نظام الأسد، الهجرة بشكل تام. وظلت سوريا حتى بداية التسعينيات الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تحظر هجرة أقليتها اليهودية بشكل مطلق.

لتنفيذ هذا التمييز، فُرضت آليات مراقبة قمعية. كانت بطاقات الهوية الشخصية لليهود تُختم بكلمة "موسوي" بحبر ساطع، مما سهل التمييز ضدهم في الوظائف والمعاملات الرسمية. كما فُرضت قيود مشددة على التنقل الداخلي بين المدن والأحياء، وكان عليهم الحصول على تصاريح خاصة. ووضعت الأحياء اليهودية القديمة في دمشق وحلب تحت المراقبة المكثفة من قبل أجهزة المخابرات السورية.

وقد تم تطبيق نظام "الرهائن" بشكل صارم على أي فرد من الجالية يُسمح له بالسفر المؤقت لأسباب صحية أو سياحية. كان يتوجب على المسافر تقديم كفالة مالية ضخمة، قد تصل إلى 6000 دولار أمريكي، وترك فرد من عائلته كضمانة إلزامية لعودته. ضمن هذا التكتيك استمرار الضغط على الجالية في الخارج وأجبرها على البقاء على اتصال بالشأن السوري.

القيود الاقتصادية والقانونية

بالتوازي مع القيود على التنقل، عانى اليهود من إقصاء اقتصادي وقانوني ممنهج. فمنعوا من العمل في مؤسسات الدولة والبنوك، وحُرموا من الحصول على رخص قيادة أو هواتف، وتم تجميد حساباتهم المصرفية. ووصل الأمر إلى حد الاستيلاء على الممتلكات العامة للطائفة، حيث تم رصف طريق المطار فوق المقبرة اليهودية في دمشق، كما تم إغلاق المدارس اليهودية وتسليمها لإدارة مسلمة.

كما فُرضت قيود على بيع ونقل الممتلكات العقارية والمنقولة. هذه القيود، التي رُفعت وأُعيد فرضها بشكل متكرر، كانت تهدف إلى منع الجالية من تسييل أصولها قبل الهجرة، مما يضمن خروجهم دون أي رأسمال فعلي، أو ترك هذه الأصول في عهدة الدولة، أو الاستيلاء عليها في نهاية المطاف.

الهروب.. والهجرة الأخيرة

دفعت كل هذه الإجراءات الآلاف للهجرة بطريقة غير شرعية عبر الحدود مع تركيا. ليتقلص عددهم إلى حوالي 5000 شخص في الستينيات، ومع استمرار القيود، لم يتبقَ منهم اليوم داخل سوريا سوى بضعة أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة.

منذ منتصف السبعينيات، سعى نظام الأسد الأب إلى استثمار يهود سوريا بأفضل شكل ممكن لخدمة مصالحه السياسية. على الرغم من استمرار التمييز والتضييق، إلا أن انفراجات حصلت في واقع اليهود السوريين، ونشأت علاقة لافتة لاحقًا بين الأسد الأب والحاخام الأكبر لسوريا آنذاك إبراهام حمرا (شقيق يوسف حمرا وعم المرشح الحالي لمجلس الشعب هنري حمرا).

تأثر واقع اليهود السوريين دائمًا بالمتغيرات الجيوسياسية والصراع العربي الإسرائيلي. وفي نهاية المطاف، إبان مؤتمر مدريد للسلام الذي شاركت فيه سوريا، حرص الأسد على تقديم نفسه كضامن وحامي للأقلية اليهودية في البلاد.

أنتج التلفزيون السوري في ذلك الوقت فيلمًا وثائقيًا باللغة الإنجليزية عن حياة اليهود السوريين في دمشق، كان من إعداد وتقديم يحيى العريضي. وقُدمت تسهيلات عديدة لليهود انتهت برفع حظر السفر بشكل نهائي، فغادر من تبقى منهم على دفعات لتصبح سوريا شبه خالية من اليهود بحلول عام 1994.

في عهد بشار الأسد: دمشق مع حبي

في زمن الأسد الابن، لم يحضر اليهود السوريون في المشهد كثيرًا، لكنه حاول تطبيق طريقة والده بالاستثمار ودعا اليهود للعودة إلى سوريا أكثر من مرة. في تلك الفترة، كان عدد من اليهود يزورون سوريا بشكل متكرر، ويبدو أن العلاقة الوطيدة بين الأسد وأبراهام حمرا استمرت وانتقلت إلى ابنه بشار الذي عزى بشكل رسمي بوفاة الحاخام قبل سنوات.

 وفي عام 2010، أنتجت المؤسسة العامة للسينما فيلمًا عن عودة شخصية يهودية إلى دمشق بعنوان "دمشق مع حبي".

أما في مرحلة الثورة، فقد حضر دور اليهود السوريين من خلال التضامن وجمع التبرعات في البدايات، وسرعان ما انكمشوا مرة أخرى وابتعدوا عن المشهد.

الغالبية العظمى من يهود سوريا ونسلهم، والذين يقدر عددهم اليوم بأكثر من 75 ألف شخص، فيعيشون في مجتمعات متماسكة خارج سوريا. أكبرها على الإطلاق موجود في بروكلين، نيويورك وبجاليات أصغر في كل من الأرجنتين وبريطانيا والمكسيك ودول أخرى.

اللافت أن هذه المجتمعات حافظت بقوة على هويتها السورية؛ فلا يزال كبار السن يتحدثون العربية بلهجتهم الشامية أو الحلبية، ويطهون المطبخ السوري، ويحتفظون بولاء عاطفي لأرض أجدادهم.

عودتهم اليوم إلى المشهد العام تشكل العثور على قطعة البازل المفقودة من لوحة التنوع السوري، وتحتاج هذه العودة شروحات مطولة في أسبابها وتأثيرها المحتمل.

العلامات

تصويت / تصويت

هل العنصرية ضد المهاجرين ممنهجة أم حالات لاتعبر عن المجتمعات الجديدة؟

عرض النتائج
نعم
21%
لا
4%
لا أعرف
8%

ابق على اتصال

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!