الوضع المظلم
الخميس 28 / نوفمبر / 2024
  • هولندا: لاجئون يروون قصص هجرتهم غير الشرعية من مخيمات هولندا (9)

  • وقع في قبضة الشرطة عدة مرات
هولندا: لاجئون يروون قصص هجرتهم غير الشرعية من مخيمات هولندا (9)
صور في مخيم تير ابل

أمستردام (تير أبل) - خاص - محمد عيد

تحمل قصص طالبي اللجوء والهجرة في تفاصيلها الكثير من الألم والمعاناة، نتيجة الظروف القاسية والضاغطة، التي أجبرتهم على اختيار قرارات أحلاهما مرُّ.

وتعد رحلات اللجوء والهجرة السورية من أبرز الرحلات حالياً، فأصبح السوري المقيم  في دول اللجوء المحيطة بسوريا، يقع  ما بين سندان الترحيل والطرد ومطرقة حملات التميز العنصري التي  برزت  بشكل جلي مؤخرا  في تركيا، فالكثير من الشباب السوري الذي كان مستقرا في عمله هناك، لم يكن لديه أي  نية للسفر، إلا أن الضغوط المتصاعدة ومحاصرة لقمة عيشهم، أعطى المبرر للشباب السوري، في اتخاذ قرار البحث عن أرض تؤمن لهم الاستقرار والحياة الكريمة.

أبو خالد.م، بطل قصتنا من الشباب، من الذين امتلكوا محل لبيع الأحذية في مدينة غازي عنتاب، وكان عمله مزدهرا ومستقرا مع عائلته واخوته، ولكن خلال العام الحالي 2022، بدأ يستشعر الخطر على مستقبل أسرته، بعد زيادة حملات التحريض العنصري ضد السوريين، فاتخذ قرار السفر نحو هولندا مع اثنين من أخوته أحدهم لم يتجاوز عمره 9 سنوات.

وانطلاقا من رصد منصة "المهاجرون الآن" لقصص اللجوء والهجرة، فإن رحلة العبور لأبو خالد، نروي تفاصيلها وهي من القصص التي تستحق المتابعة لما أحاط بالرحلة من صعوبات، تخللها إلقاء القبض عليه في أكثر من محطة في رحلته.  

بدأت رحلة أبو خالد مع أخوته في الشهر الثامن من العام الحالي، بعد أن اتفق مع أحد المهربين (من تجار البشر) في مدينة إسطنبول التركية، وانتقل  بسيارة مغلقة إلى مدينة أدرنه، التي عبر منها مع مجموعة من الأشخاص  مشيا على الأقدام في الغابات التركية، لكي يصلوا إلى النهر الذي يفصل الأراضي التركية عن اليونانية.

المحاولة الأولى كانت لعبور النهر عبر قارب مطاطي (بلم)، ولكن لم يحالفه الحظ مع المجموعة التي ترافقه، حيث وصلوا إلى منتصف الطريق، بعد اكتشاف أمرهم من قبل الشرطة اليونانية، فعادوا إلى ضفة النهر على الجانب التركي، وانتظروا لمدة يوم وجربوا حظهم في المحاولة الثانية التي نجحت واستطاعوا الوصول إلى الأراضي اليونانية.

مفاجآت الأراضي اليونانية

يتابع أبو خالد: "بدأت رحلتنا في الغابات اليونانية مشيا على الأقدام التي استمرت لمدة 6 ساعات، وصادفتنا العديد من المخاطر، كان أبرزها، دخولنا ضمن  حقل للألغام، لكن لحسن حظنا، أن الألغام كانت مضادة للآليات الكبيرة، واكتشفنا ذلك، بعد أن وطئت قدم أحد الأشخاص على لغم ولم يحدث الانفجار(يضحك أبو خالد خلال  حديثه عن هذا  الموقف)، وأكملنا المسير في الغابات اليونانية لأيام متتالية، بهدف الوصول إلى نقطة التحميل، حيث تنتظرنا سيارة لنقلنا إلى مدينة سالونيك، ولكن للأسف لم تصل السيارة، وبعد تسويف ووعود كاذبة من المهرب، وصلت السيارة بعد ثلاثة أيام، حيث  تعذبنا خلال هذه الأيام  كثيرا بعد أن نفذ طعامنا ومياه شربنا، اضطررنا لشرب المياه الآسنة، علاوة على تمشيط  الشرطة اليونانية للمنطقة كل يوم، مما زرع الرعب في قلوبنا، وشعرنا بالخوف من القبض علينا، وبعد وصول سيارة صغيرة كانت لا تتسع سوى لـ 15 شخصا، اضطررنا أن نصعد فيها 27 شخصا، وسارت بنا لمدة 8 ساعات باتجاه مدينة سالونيك، وأنزلنا السائق اليوناني على الطريق العام ودخلنا الغابة، ومشينا فيها حتى وصلنا مزرعة، وتواصلنا مع المهرب المسؤول عن الرحلة الذي بدوره اتصل مع مهرب في اليونان يدعى (الخال) لترتيب خروجنا من الأراضي اليونانية، ووصلت كلفة الشخص الواحد من تركيا إلى سالونيك 2700 دولار وأخي الصغير 1500 دولار.

تجربة السفر بالطائرة

ويواصل أبو خالد حديثة لمنصة المهاجرون الآن: بعد أن مكثنا في سالونيك يوم واحد، طُلب منا الانتقال إلى أثينا من خلال ركوب القطار حيث تم استصدار هويات يونانية مضروبة، ووصلنا العاصمة اليونانية أثينا بعد رحلة استمرت لمدة 4 ساعات، وفي أثينا قررت السفر بالطيارة إلى هولندا مع أخي، فتواصلت مع مهرب جديد (شخص سوري) وطلب مبلغ وقدره 4000 دولاراً عن الجواز الأوروبي المزور و5000 يورو لجواز سفر عربي صاحبه يحمل الجنسية الأوروبية، بينما طلب من أخي الصغير مبلغ 5500 دولار بحجة أن أخي يحتاج إلى رفقة عائلة من أب وأم لسفره، ولكن أخل المهرب بالاتفاق وطلب مني أن أكون أنا الأب لأخي وأحضر المهرب أمرأه تريد السفر تهريبا وطلب مني أن تكون والدته، وبعد محادثات طويلة توصلنا إلى اتفاق بأن تنطلق رحلتنا من مطار جزيرة كريت، وكان مخطط الرحلة من كريت إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، ومن ثم الانتقال إلى هولندا، ووصلنا مطار كريت الساعة 10 صباحا، وبعد أن تجاوزت جميع البوابات بجواز السفر المزور مع أخي والمرأة المرافقة، وصلنا إلى باب الطيارة وهنا للأسف كشفنا الموظف الذي يتحقق من الجوازات وتذاكر  الطيران، ومباشرة طلب الشرطة الذي اقتادتنا إلى سجن المطار حيث مكثنا فيه لمدة ساعتين وأطلقوا سراحنا، وطلبوا منا أن لا نعيد التجربة مرة أخرى وإلا ستكون العواقب شديدة، وفي هذا الوقت لم أكن أملك سوى 50 يورو ، فطلبت من المهرب أن يقطع لنا تذكرة للعودة إلى أثينا، ولكن لم يستجب لي رغم اتصالاتي المتكررة ، وخلال ذلك ودعتنا المرأة بعد أن قطع لها اخوها تذكرة إلى اليونان، وبقيت لوحدي مع أخي.

يكمل أبو خالد: "بدأ يهبط الليل وأنا امشي في شوارع كريت لا أعرف أي شخص، ونال البرد والتعب من أخي الصغير، وحاولت ان أطلب المساعدة من جميع الأشخاص الذين أصادفهم من اجل تأمين منامة لليلة واحدة، فكان الجميع يحجم عن ذلك، وبعد منتصف الليل التقيت بشاب عراقي ومباشرة سارعت وطلبت منه المساعدة الذي أخذني إلى فندق ووفر لنا المنامة بعد أن دفعت أجار الغرفة 40 يورو، وفي صباح اليوم الثاني تواصلت مع عائلتي ووفروا لي المال كما تواصلت مع ذات المهرب، الذي قطع لي تذكرة بالباخرة إلى اليونان، وفي هذه اللحظة قررت عدم السفر بالطائرة بل العبور برا، واتفقت مع مهرب جديد وطلب 1000 يورو للوصول إلى بلغراد وخرجت مع مجموعة من الأشخاص بباص ووصلنا إلى آخر قرية يونانية قريبة من الحدود الألبانية.

الشرطة الألبانية تلقي القبض على المجموعة

يكمل أبو خالد شهادته: " جاءت سيارة ونقلتنا إلى العاصمة الألبانية تيرانا، وفي طريق الرحلة انقلبت السيارة بسبب الأمطار الغزيرة، واصطدمت بالجبل، واقتصرت الإصابات على جروح بسيطة بين الركاب، وكان ضمن السيارة 7 أشخاص بالغين و3 أطفال، ومباشرة نزلنا الوادي واحتمينا من الأمطار الغزيرة  ضمن نفق في المنطقة، وبعد مرور 4 ساعات اتصل فينا السائق بعد اصلاح سيارته واتجه إلى تيرانا، وقبل الوصول العاصمة بعدة كيلو مترات انطفئ محرك السيارة، فطلب السائق منا المشي إلى نقطة التحميل الجديدة، حيث استمرينا بالمشي لمدة ساعتين ونصف، بعد أن التقط السائق لنا الصور من أجل فك التشييك وحصول المهرب على أمواله عن هذه المرحلة من الرحلة، وبعد يومين من مكوثنا في المنطقة المحيطة بتيرانا، جاءت سيارة وأخذت المجموعة باتجاه كوسوفو وقبل الوصول إلى النقطة المحددة كشفت أمرنا الشرطة الألبانية، واقتادتنا إلى الحجز، وأجبرتنا على البصم، ثم نقلتنا إلى منطقة حدودية بالقرب من الجبل الأسود، وكانت هذه النقطة من أصعب مراحل الرحلة حيث يتواجد فيها الكثير من الشرطة والجيش علاوة على أنها منطقة تعج بمهربي المخدرات، وكان هدفنا الوصول إلى إحدى القرى من أجل ركوب باص متجه من القرية إلى تيرانا، وكانت الساعة 12 ليلا، فقررنا المشي لمدة ثلاث ساعات  إلى محطة الباصات في القرية ووصلنا اليها في 3 صباحا، ولكن للأسف لم تكن الباصات متوفرة، وتطلب الأمر الانتظار للسادسة صباحا، وخلال هذا الوقت قررنا النوم في حديقة بالقرب من المحطة، وبعد نصف ساعة من دخولنا الحديقة ، تعرضنا لمشكلة مع شباب صغار من أهالي المنطقة من تجار المخدرات، حيث طلبوا منا شراء مواد مخدرة بالقوة، وبعد رفضنا، ذهب شباب القرية وتواصلوا مع أصدقائهم الذين جاؤوا بأعداد كبيرة يريدون الانتقام من المجموعة، ولحسن حظنا ان إحدى سيارات الشرطة مرت بالصدفة فسارعت وتواصلت مع الشرطي الذي طلب منا مغادرة المنطقة إلى إحدى الساحات وتوفير الحماية لنا ريثما تبدأ الباصات عملها من جديد، وفعلا عند الظهيرة ركبنا الباص ووصلنا تيرانا، وطلب منا المهرب الانتقال إلى نقطة تحميل جديدة، وانضم إلى مجموعتنا حوالي 20  شخصا، وأصبح المجموع العام نحو 30 شخصا، واقلنا سرفيس كبير إلى بلغراد ثم مشينا مع ريبري كان يلقب (غليص)، وأوصلنا إلى جبل عالي وشديد الانحدار في كوسوفو، وقررنا صعوده ليلا، وخلال الصعود كنا نتسلق باستخدام أطرافنا الأربعة وبعد الوصول إلى النقطة مشينا في الغابات الكثيفة الأشجار، طلب منا الريبري أثنا المشي أن نمد أحد الأيدي أمامنا كي لا نصطدم بأغصان الشجر، حيث فقئت عين أحد الأشخاص بعد أن دخل جزء من غصن شجرة في عينه، ووصلنا بلغراد وأخذنا سيارة إلى مدينة سنبل في صربيا، تحضيراً لدخول هنغاريا.

نقطة النهاية

ويواصل أبو خالد حديثه: " وخلال مشينا في الغابات الهنغارية، مع 60 شخص ورفقة 3 ريبريه (مرشدين طريق) فجأة خرجت علينا طائرات الدرون والتقطت صور ليلية لنا، ومباشرة كانت الشرطة الهنغارية تحيط بنا، وأعادتنا إلى صربيا، ثم طلب المهرب منا العودة إلى النقطة القديمة للانطلاق باتجاه هنغاريا، خلال عبورنا الاسلاك الشائكة ، قطعنا المرحلة الأولى بعد صعدنا السلالم والمرحلة الثانية من الأسلاك كانت تشبه الشفرات الحادة ويوجد داخلها حساسات، وخلال عبورنا هذه المرحلة كان معنا دكتور مصري مع أولاده، ولسوء الحظ علقت كنزة أحد أطفاله بالأسلاك وأعطى إنذار للشرطة الهنغارية التي جاءت وألقت القبض علينا، وأخذت الشرطة منا جميع مدخراتنا مع الموبايلات، وأعادونا إلى صربيا.

يستأنف أبو خالد: "هناك قررت الاستراحة مع أخي الصغير، وكررت المحاولة مرة ثانية في اليوم الثاني، وعبرت الأراضي الهنغارية بسيارة اتجهت إلى العاصمة التشيكية براغ، ولكن لم نستطع دخول التشيك نتيجة الرقابة الكبيرة على الحدود، وأثناء إحدى المحاولات ألقت القبض علينا الشرطة السلوفاكية، ونمنا بالمخفر وبصمنا وأخذنا ورقة طرد ، ومباشرة ذهبت مع اخي إلى محطة القطار واخذت القطار المتجه إلى براغ وبعد دخولي الأراضي التشيكية وأثناء الرحلة، صعدت الشرطة التشيكية من إحدى المحطات وألقت القبض عليَّ  بعد أن عرفت أنني غير مقيم نظامي، وأخذتني الشرطة إلى مخيم في التشيك بعد أن بصمت وتم تصويرنا وأطلقوا سراحنا، ومباشرة تواصلت مع سائق تشيكي وأوصلنا إلى كامب تير أبل بهولندا، بعد رحلة بلغت كلفتها مع أخي الصغير والكبير حوالي 31 ألف دولار.

للاطلاع على الحلقات الماضية

تصويت / تصويت

هل العنصرية ضد المهاجرين ممنهجة أم حالات لاتعبر عن المجتمعات الجديدة؟

عرض النتائج
نعم
3%
لا
0%
لا أعرف
0%

الأكثر قراءة

ابق على اتصال

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!