-
الهوية المسلمة الجامعة في أوروبا
-
عن مفهوم الهوية الوطنية والثقافية التي حملتها الجاليات العربية والمسلمة التي قدمت إلى أوروبا
مصعب السعود – صحفي سوري مقيم بفرنسا
لعل من أهم الأسئلة التي تطرح حول الجاليات العربية والمسلمة التي قدمت إلى أوروبا واستقرت فيها منذ الربع الأول من القرن الماضي هو مفهوم الهوية الوطنية والثقافية التي حملتها وأورثتها إلى أجيالها اليوم ومدى محافظتها عليها لاستمرار تميزها وخلق الأثر المطلوب في المجتمعات المضيفة مستقبلاً بما يخدم مصالح أبنائها وبناتها.
في الثامن من نيسان الجاري اتفقت جمعيتا (فليب جرونييه وابن خلدون) على إقامة إفطار جماعي للمسلمين في مدينة رين الفرنسية ليكون رسالة حب وسلام وتآخي مع المجتمع المضيف
تطوع لإنجاح العمل العشرات من الشباب والشابات من مختلف المشارب والدول وتناولوا الدعوة للإفطار على مستوى المدينة وخصوصا للطلاب الذين قدموا للدراسة.
لاقت الفكرة ترحيب المواطنين المقيمين هنا وقدمت العائلات مشاركاتها الرائعة من كافة أصناف الطعام والحلويات لتشكل لوحة فنية لا مثيل لها اجتازت كل الحدود وتمازجت فيها الثقافات وقدم المتطوعون صورة ولا أجمل عن المسلمين وبنية الأسرة المسلمة المنفتحة على الآخرين بابتسامة لم تفارقهم.
بحسب مجموعة المنظمين واخر التحديثات شارك نحو 750 شخص في هذا الإفطار الجماعي المتميز من مختلف الجنسيات حيث لمسوا أيضا بعض المشاركات من غير المسلمين تعبيراً عن تضامنهم واحترامهم للثقافة والشعائر الإسلامية وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة شكر مجلس المدينة الذي ساند الفكرة وهيأ لها أسباب النجاح.
لكن نجاح هذا العمل وتميزه اليوم يفتح لنا الباب عن السؤال القائم في كل البرامج الانتخابية للسياسيين الاوروبيين عن الهوية الوطنية والثقافية للفرد.
علينا الاعتراف مسبقاَ أنه كان أمراً بالغ الصعوبة والتعقيد على المؤسسين الأوائل الذين وفدوا إلى هذه البلاد للعمل وتحسين مستوى العيش أو حتى التعلم الإجابة عن هكذا سؤال خصوصاً وأنهم حملوا معهم تركة خلافات الماضي المتوارثة من صراعات السياسيين في بلادهم أو التي خلفها الاستعمار القديم وأيضاً لكونهم خلية التجارب الأولى في هذه المجتمعات التي كانت ما تزال تحمل فكر العصور الوسطى من عنصرية وكره للآخر وأيضا لكون مجموعات لا بأس بها بالغت في مفهوم الاندماج حتى تخلت عن هويتها وثقافتها ونسفت حضارتها ففقدت ماضيها ومستقبلها ولا ننسى أنهم وفدوا من مناطق جغرافية ومشارب ثقافية وعرقية متنوعة عربية وأسيوية وأفريقية وأمازيغية وتركية وقوقازية وحتى أوروبية كلهم جمعتهم الهوية والثقافة الاسلامية الحضارية المتعايشة والمنفتحة على الآخر.
لقد ناضل الأجداد الأوائل هنا حتى استطاعوا اقناع بعض البلديات في تلك الفترة بأن المساجد (الجمعيات الإسلامية) هي منابر للثقافة والعمل والاندماج بما يخدم رؤية هذه الدول وتقدمها وأن الصورة النمطية عن المسلمين يجب أن تتغير واليوم يحصد أحفادهم ما زرعوا إذ يصدرون بلغة أهل البلد المضيف الذي أصبحوا جزءا منه ومن ثقافته ومشاريع بنائه ومستقبله أجمل اللوحات الإنسانية وباتوا يشيدون منابر للثقافة ويدأبون كخلايا نحل لا تتوقف عن العمل فأينما توجهت ستجدهم أمامك من أعلى مراتب العلم إلى كل مفاصل الدولة فلترفع القبعة لهؤلاء الأبطال فلولا صبرهم ونضالهم وإيمانهم بقدراتهم وأنفسهم لما بلغ أبناؤهم هذا المبلغ الكبير من الرقي والثبات.
إن الإجابة عن هذا السؤال يتضح جليا في نتاج هذه الاجيال التي تزودت من ثقافتها بأجمل ما فيها وكانت رسائل السلام ومفتاح النجاح والتآخي بين الثقافات وقد توجها الإسلام اخلاقا وقيما وحياة لذلك اقبل المجتمع لاكتشاف هذا الدين الحنيف والتعرف عليه من خلال التواصل معهم.
إن الصورة التي يحملها هؤلاء الشباب والشابات هي الأبلغ عن مفهوم الاندماج والتعايش الحقيقي للمجتمعات وهم سيكونون سبب إعادة النهوض لأوروبا مستقبلا لكونهم ابناؤها وكذلك لبلاد اجدادهم وامتدادها التاريخي العميق بعدما تزودوا بالعلم والتقنية والمعرفة.
صور من الفعالية