-
ميرتس اللاهث خلف المستشارية: الهجرة واللجوء ورقة انتخابية محفوفة بالمخاطر قد ترتد على ميرتس وحزبه
يمان شواف - إعلامي خبير في الشأن الألماني والأوروبي وقضايا الشرق الأوسط
يجد حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي نفسه اليوم في موقف حرج بسبب سياسات زعيمه فريدريش ميرتس، الذي يبدو مستعداً لفعل أي شيء في سبيل تحقيق طموحه الأكبر الوصول إلى المستشارية، لكن في طريقه إلى هذا الهدف، تورط الحزب في أخطاء سياسية أعادت إلى الأذهان فضيحة تورنغن الشهيرة، وأثارت تصرفاته غضباً شعبياً واسعاً، وصولاً إلى انتقادات علنية من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، التي تراقب بحذر كيف تتشكل معالم الحزب الذي قادته لعقد ونصف.
من فضيحة تورنغن إلى أزمة ميرتس: التاريخ يعيد نفسه
قبل سنوات، شهدت ألمانيا ما عُرف بـفضيحة تورنغن، عندما أقدم نواب من الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب اليميني الشعبوي "البديل من أجل ألمانيا" على التصويت لصالح مرشح الحزب الليبرالي الديمقراطي توماس كمريش لمنصب رئيس وزراء الولاية، فوز كمريش، فوز لم يكن ليتحقق لولا دعم حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني الشعبوي، هذه الخطوة اعتُبرت حينها كسراً لأحد المحرمات السياسية في ألمانيا، حيث تم الاتفاق ضمنياً بين الأحزاب التقليدية على عدم التعاون مع AfD بسبب توجهاته اليمينية المتطرفة.
أدت الفضيحة إلى إسقاط الحكومة المنتخبة سريعاً، وإلى استقالة أنيغريت كرامب-كارنباور رئيس الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ذلك الوقت.
اليوم، يبدو أن ميرتس يكرر نفس الخطأ، لكن هذه المرة على مستوى السياسة الفيدرالية، ما يعرض الحزب لهزة سياسية قد تكون لها عواقب وخيمة.
ابتسامة لاشيت التي كلفته خسارة الانتخابات.. هل يكرر ميرتس السيناريو؟
بعد استقالة زعيمة الحزب أنغريت كرامب-كارنباور، تولى أرمين لاشيت قيادة الاتحاد المسيحي الديمقراطي وقاده في انتخابات 2021، لكنه ارتكب خطأً فادحًاً عندما ظهر مبتسماً خلال كارثة الفيضانات، وهو المشهد الذي استغله الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة أولاف شولتس، ما أدى إلى خسارة لاشيت بفارق ضئيل، وضياع المستشارية التي ظل الحزب متمسكاً بها لـ16 عاماً في عهد ميركل.
والآن، يبدو أن ميرتس يكرر خطأً مشابهاً، لكنه أكثر خطورة، فبينما تواجه ألمانيا أزمة اقتصادية خانقة، وركوداً يهدد سوق العمل، وتراجعاً في الاستثمارات، قرر التركيز بشكل شبه حصري على أزمة الهجرة واللجوء، متجاهلاً باقي القضايا الأكثر إلحاحاً.
كسر الجدار مع AFD.. خدمة مجانية للحزب الاشتراكي
آخر خطوات ميرتس المثيرة للجدل كانت تمرير مقترح يتعلق بالهجرة واللجوء في البرلمان، والذي حصل على دعم من حزب البديل من أجل ألمانيا (AFD) هذا الأمر أثار موجة غضب شعبي واسعة، أدت إلى خروج تظاهرات في عدة مدن ألمانية، تنديداً بما اعتبره المحتجون شرعنة غير مباشرة لأقصى اليمين في المشهد السياسي.
بل إن المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، التي كانت دائماً تدعو إلى إبعاد الاتحاد المسيحي الديمقراطي عن أي تحالف مع AfD، خرجت عن صمتها ووجهت انتقادات واضحة لميرتس بسبب الطريقة التي يتعامل بها مع هذا الملف، وهو ما يعكس حجم الانقسام داخل الحزب بشأن توجهاته الجديدة.
لماذا يتجاهل ميرتس الإصلاحات الاقتصادية؟
في ظل كل هذه العواصف السياسية، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: لماذا يركز ميرتس على قضية اللجوء، بدلاً من تقديم خطط حقيقية للإصلاح الاقتصادي؟
تعاني ألمانيا حالياً من تضخم مرتفع، وضعف في النمو الاقتصادي، وتراجع في الاستثمارات، وأزمة طاقة خانقة، وهي تحديات كان من المفترض أن تكون في صلب أجندة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي كحزب محافظ اقتصادياً، لكن بدلا ً من ذلك، يبدو أن ميرتس اختار اللجوء كقضية شعبوية يستطيع من خلالها استقطاب الناخبين المحافظين، وحتى ناخبي اليمين المتطرف، ولو كان ذلك على حساب المبادئ التقليدية لحزبه.
المستشارية بأي ثمن؟
في نهاية المطاف، يبدو أن ميرتس مستعد لدفع أي ثمن للوصول إلى المستشارية، حتى لو كان ذلك يعني التخلي عن خط أحمر وضعه حزبه لعقود، وهو عدم التعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا.
لكن هل ستنجح هذه الاستراتيجية؟ أم أن ميرتس سيجد نفسه في مواجهة انقسامات داخل حزبه، ونزيف في شعبيته بين الناخبين المعتدلين، مما قد يؤدي إلى خسارة جديدة أمام الحزب الاشتراكي في الانتخابات القادمة؟
الأيام المقبلة وحدها ستكشف ما إذا كان ميرتس قد لعب ورقته الرابحة، أم أنه وضع الاتحاد المسيحي الديمقراطي على طريق أزمة سياسية جديدة، قد تعيد تشكيل المشهد السياسي الألماني لعقود قادمة.
العلامات
قد تحب أيضاe
تصويت / تصويت
هل العنصرية ضد المهاجرين ممنهجة أم حالات لاتعبر عن المجتمعات الجديدة؟
الأكثر قراءة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!