-
الوضع الصحفي في سوريا ومستقبل الإعلام
يمان شواف - إعلامي خبير في الشأن الألماني والأوروبي وقضايا الشرق الأوسط
منذ بداية الثورة السورية في 2011، شهدت سوريا تغييرات جذرية على الصعيد الإعلامي، تحولت البلاد من مشهد إعلامي محكوم بقبضة النظام، إلى مشهد متنوع ومعقد، حيث يعكس الإعلام السوري الواقع المتغير في ظل الحروب والصراعات السياسية والعسكرية، لكن رغم هذه التحولات، لا يزال الصحفيون السوريون يواجهون تحديات كبيرة في ممارسة مهنتهم بطريقة مهنية، نظراً للعديد من العوامل المتعلقة بصراع استمر ١٤ عام، ضغوطات وقيود نظام الهارب الأسد، وتعدد القوى الفاعلة في الساحة السورية.
الإعلام في مناطق النظام الهارب: تحديات مهنية وسقف حرية منخفض
في مناطق التي كانت خاضعة لسلطة نظام الهارب، بقي الإعلام السوري يخضع للرقابة المشددة من قبل حكومة الأسد التي تسيطر على وسائل الإعلام بشكل كامل. عمل الصحفيون في هذه المناطق تحت ضغوط قمعية تمنعهم من نشر أخبار قد تضر بصورة المجرم أو تكشف عن الحقائق التي قد تهز دعائمه.
الكثير من الصحفيين في تلك المناطق تبنوا أسلوباً صحفياً بعيداً عن المهنية، معتمدين على نقل الأخبار وفقاً لما يُملى عليهم من قبل الأجهزة الأمنية أو السياسيين، مما أضعف مصداقية الإعلام في هذه المناطق وأعاق تطوير ممارسات إعلامية حرة وصحيحة.
ومنهم من ذهب أبعد من ذلك فمارس نوعاً من العمل لا يمكن تسميته حتى بالإعلام أو مفاهيم الصحافة هو تشبيح وهؤلاء برزوا كثيراً خلال ال 14 عام الماضية.
خلال زيارتي إلى سوريا وهي أول زيارة لي بعد تحررها من مجرم دمر البشر قبل الحجر، لمست وجود مشكلة كبيرة بين الصحفيين، خاصة في التعامل مع الأخبار والمعلومات.
صادفتُ العديد من الحالات التي تشير إلى أن بعض الصحفيين في دمشق، على سبيل المثال، لا يزالون يحملون عقلية الإعلام التي سادت خلال عهد النظام الديكتاتوري، ما يعكس استمرار ممارسات غير مهنية من قبل البعض، مثل تضليل المعلومات وتقديم روايات غير دقيقة. على سبيل المثال، عندما وصلت إلى دمشق، قابلتُ صحفياً يعمل في أحد وسائل الإعلام، وكان قد قدم لي معلومات غير صحيحة عن حالة إحدى الصحفيات التي كانت تخشى الخروج من منزلها فقط لأنها علوية، ليتبين لي لاحقًا أن الصحفي الذي نقل لي هذه المعلومة كان قد اختلقها تماماً لدوافع أخرى، هذه الحوادث كشفت لي أن بعض الصحفيين الذين كانوا يعملون في مناطق الديكتاتور الأسد لا يزالوا يمارسوا نفس الأساليب التي كانت سائدة في عهد الديكتاتورية، ولا يبدو أنهم قادرين على التحول سريعاً لممارسة إعلام مهني يواكب التطورات الحديثة.
الصحفيون المناهضون للأسد: ضعف في العمل المؤسساتي
من جهة أخرى، توجد شريحة من الصحفيين الذين كانوا يعملون ضد الديكتاتور الهارب، ورغم أنهم حاولوا ممارسة العمل الإعلامي من أجل نشر الحقائق والوقوف ضد المجرم الأسد، إلا أنهم يعانون من ضعف واضح في فهم العمل المؤسساتي للإعلام. كثير منهم يخلط بين دوره كناشط سياسي أو صحفي في مؤسسة إعلامية، مما يضعف قدرتهم على تقديم محتوى مهني وموضوعي.
هذا النوع من الفهم الخاطئ يؤثر سلباً على تطوير الإعلام السوري المستقل ويجعل من الصعب بناء هيكل إعلامي قوي ومؤثر يمكنه منافسة وسائل الإعلام العالمية.
بناء إعلام سوري قوي وصحي
إن الوضع الإعلامي في سوريا اليوم يتطلب جهداً كبيراً لإعادة بناء إعلام قوي ومنافس. هذا يتطلب تدريب الصحفيين وتزويدهم بالمعرفة المهنية الضرورية لفهم آليات العمل الإعلامي بشكل مهني ومؤسسي، مع ضرورة تطوير مهاراتهم في العمل الصحفي، وإعداد التقارير بشكل دقيق وموضوعي.
يجب أن يتعلم الصحفيون كيفية استخدام الأدوات الصحفية الحديثة، وكيفية التفاعل مع التكنولوجيا المتقدمة في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها الإعلام اليوم.
علاوة على ذلك، يجب أن يكون هناك تركيز على بناء مؤسسات إعلامية مستقلة وقوية.
الإعلام السوري بعد تحرير سوريا يحتاج إلى كوادر مدربة لاستخدام وسائل الإعلام التقليدية والحديثة على حد سواء، فمع التوسع في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح من الضروري أن يعمل الصحفيون على تطوير أدواتهم لتواكب هذا التطور السريع، حتى يتمكنوا من مواجهة المنافسة القوية، ومكافحة الأخبار المزيفة، والعمل على نشر معلومات صحيحة وموثوقة، واستعادة ثقة الشارع السوري فالجمهور هو الأساس.
الإعلام المتنوع والحرية والمسؤولية
من المهم أيضاً أن نركز على ضرورة بناء بيئة إعلامية متنوعة تحتفظ بمساحة من الحرية المحمية، ولكن في نفس الوقت مسؤولة، ففي ظل التحديات الحالية، يجب على الإعلاميين أن يتنبهوا إلى مسؤولياتهم في نقل الأخبار بشكل دقيق ومحايد، خصوصاً في ظل وجود الكثير من الأخبار المغلوطة التي تُنشر عبر الإنترنت.
لا يمكن تجاهل تأثير الإعلام على الرأي العام، لذا يجب أن تكون هناك استراتيجيات واضحة للحفاظ على جودة الأخبار والمحتوى الصحفي.
إن الصحافة في سوريا تواجه مرحلة صعبة ومعقدة، لكن مع الجهود المبذولة في تدريب الصحفيين وتطوير مؤسسات إعلامية قوية، يمكن أن يشهد الإعلام السوري الجديد مستقبلاً مشرقاً، لا بد من تخطي عقلية العمل الإعلامي القديمة، وتحويل الجهود نحو بناء إعلام مهني، يتسم بالمصداقية والاحترافية، قادر على تقديم الحقيقة في ظل التحديات الراهنة.
قد تحب أيضاe
تصويت / تصويت
هل العنصرية ضد المهاجرين ممنهجة أم حالات لاتعبر عن المجتمعات الجديدة؟
الأكثر قراءة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!