الوضع المظلم
الإثنين 16 / سبتمبر / 2024
  • علاء فرحات: أن تكون مداناً في تركيا ... هموم صحفية في المهجر

علاء فرحات: أن تكون مداناً في تركيا ... هموم صحفية في المهجر
صورة من موقع Pixabay

علاء فرحات: صحفي سوري مدير قناة أورينت سابقاً

‏"أن تكون مُداناً في تركيا وتحمل تهمة يمكن أن تؤدي بك إلى ما وراء الشمس، دون أن تدري بطبيعة وماهية وكيفية إلصاق التهمة بك، فهذا أمر عادي جداً.

‏تدفع أورينت ثمناً باهظاً، فهي كما الحرب التي تأكل أبناءها، تأكل موظّفيها، لا رغبة ولا قصداً، إنما إجباراً وثمناً لتبنّي قضايا السوريين حقيقة لا مجازاً، فكلنا نعلم ما دفع موظفوها من اضطرار للهجرة خارج تركيا، تاركين أرزاقهم وأُسرهم لسبب واحد، وهو أنها أرادت أن تكون عين المكان الصادقة.

‏في أورينت، كان كل صحفي يبدأ يومه كالمقاتل الذي يستعد لخوض غمار معركة لا تقل شراسةً عن أي معركة يخوضها مناضل من أجل تحرير وطنه، مدركاً أن التهديد يحيط به من كل جانب، لكن ذلك كله كان يهون في سبيل الدفاع عن السوريين وإيصال صوتهم.

‏فمن منّا لم يرَ تلك المقاطع التي كانت تنادي أورينت بوضع دائرة الضوء على انتهاك أو ظلم أو قضية تمسّ الحاضنة التي آمنت بأورينت كصوت صدّاح يضع حداً للظلم، ويُعرّي ويجبِر على التصحيح والتراجع والاعتذار.

‏في مقدّمة هؤلاء المقاتلين الصحفيين، كان الصحفي الميداني "قصي عمامة"، الذي عمل في راديو أورينت ضمن برنامج اختصّ برصد القضايا الاجتماعية السورية في الداخل والخارج، ولا سيما تركيا.

‏قصي لم يكن يلتزم بدوام أو حضور أو عطلة مُحدَّدة..

‏9 ساعات هي دوام موظفي أورينت، باستثناء قصي، الذي كان دوامه يلاحقه ربما 18 ساعة ولا ينتهي، وبدل أن تختار له الإدارة ما ينبغي عليه فعله، كان هو من يبحث عما يتوجب عليه من مهام، نذر نفسه لها. 

‏كان الأكثر تعرضاً للتهديد، من خلال وجوده في أماكن ساخنة ومسارح جرائم، وساحات مُحتقنة ضد وجود السوريين في تركيا. يُجري التحقيقات ويمهّد القضايا للرأي العام التركي. يقابل المسؤولين ويروي تفاصيل مخفيّة لتكتمل الصورة أمام الرأي الحقوقي، في الوقت الذي كانت فيه مكاتب المعارضة تنام نومة البكر في رابعة النهار.

‏كل ذلك لم يَثنِ قصي من مواصلة عمله حتى ساعة الإغلاق، فعندما أغلقت أورينت، لم يكن من السهل على قصي أن يجد عملًا في المؤسسات الإعلامية في تركيا، خاصة أنها مؤسسات مغلولة الذراع، فقيرة المهنية، تنظر بعين الريبة للمجتمع السوري خاصة، ولا تجرؤ على ما كنا نطرحه في أورينت، التي سبقت كبرى الوسائل الصحفية السورية والتركية.

‏تلك الوسائل تعرف أن قصي رأس حربة في عمله ضمن أورينت، وعليه، فلا يناسبها ما كان يقدّمه قصي من الصحافة التي لا تعرفها ولم تسمع عنها ولا يمكن أن تصل إليها، مهما اجتهدت.

‏أحد أصدقاء قصي من المحامين أخبره أن الأمن التركي وضعه تحت كود إرهاب دون أي سبب يُذكر، وهو ما دفع قصي لركوب البحر باتجاه أوروبا، على ما يحمله ذلك القرار من خطر الموت المحقق، واضعاً كل آماله بالنجاة من حُكم لا يعلم أصلاً ما سببه وما حيثياته. من حُكم كاد يودي بزميلين سبقاه لولا أن احتضنهم البحر في الساعات الأخيرة، قبل الركون إلى زوايا سجن أضنة المُعتم.

‏ في الطريق قُبض على قصي وزُجَّ به في السجن، ليقضي فيه حوالي الشهرين في ظروف لا داعي لشرحها، وخاصة بعد تحوّل السوريين فعلياً لكتلة صامتة لا أنياب لمعارضتها.

‏تمكّن المحامون من إخلاء سبيله بشرط ترحيله من باب السجن إلى باب الطائرة إلى أي بلد يختاره، وكأنما أبواب البلاد مفتوحة أمامه!!

‏فشلت محاولة استخراج فيزا له إلى دبي، وكذلك تقدّمنا للحصول على فيزا له من مصر فذهبت المعاملة في أدراج الموظفين، ثم بمساندة الشباب السوري الوطني، ومن بينهم الزميل عقيل حسين. تم استخراج فيزا له إلى أربيل بالعراق.

‏ اليوم قصي خرج قبل ساعات قليلة، وهو في طريقه إلى أربيل، التي تضيّق أيضاً على السوريين، فهي أهون الأمرّين، لفترة مؤقتة يلتقط فيها الصحفي الميداني أنفاسه، ريثما يجد مخرجاً أكثر استقراراً.

‏هذه هي أورينت، لا تزال تدفع أثماناً رغم إغلاق أبوابها منذ زمن، وهؤلاء هم جنود أورينت الذين قدّموا الكثير ما بين القتل والإصابة في التغطيات الصحفية والسجن والاحتجاز وإصدار الأحكام الهمجية، التي تعود بالذاكرة إلى أبشع حقبة تاريخية ابتُلي بها السوريون، وتعاد الآن في عصر يُنادى فيه بالحرية والديمقراطية، وفي الحقيقة عيش ضمن مملكة الرعب.

‏هذه الأحداث وما سبقها لا يمكن أن تكون إلا دافعاً أكبر لكل صحفي آثر أن يلتزم صدقية الكلمة وهموم أهله السوريين.

‏أستطيع من موقعي الآن، أن أقدّم جواباً عن كل جنود أورينت، بأنه ماذا لو عاد بكم الزمن إلى الوراء؟ لأجبتُ بلسانهم: "لو عدنا لنقلنا وكتبنا ورصدنا ووقفنا مع أهلنا دون أي خوف أو قيد".

‏الحمد لله على سلامتك يا قصي."

العلامات

تصويت / تصويت

هل الهجرة واللجوء إلى دول الغرب

عرض النتائج
الحصول على الجنسية
0%
حياة افضل
25%
كلاهما
75%

ابق على اتصال

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!