-
نقص الكادر التدريسي يواجه أوروبا واصلاحات جوهرية في فرنسا مع بدء العام الدراسي
-
مطالبات برفع الأجور
المهاجرون الآن - باريس
تعاني عدة دول أوروبية ومنها بريطانيا والسويد من مشاكل في القطاع التربوي وعلى رأسها نقص الأساتذة، نتيجة جراء وباء كورونا الذي أثر على كافة القطاعات، ولكنها أكثر بروزاً في فرنسا، حيث يعاني العام المدرسي 2022 و2023 من نقص كبير في الأساتذة والجهاز الإداري، ما جعل وزير التربية الجديد باب ندياي يصرح في ندوة صحافية عقدها نهاية الأسبوع الماضي في باريس أن "الرهان الأساسي يكمن في ضمان دخول مدرسي ناجح على الرغم من السياق الذي يتميز بالتوتر وبالنقص الكبير للأساتذة".
وذكرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير لها أن "أجور المدرسين الفرنسيين المبتدئين أقل بحوالي 7% مقارنة بأجور المدرسين الأوروبيين الآخرين".
ويتقاضى مدرسون فرنسيون جدد حوالي 29400 يورو سنويا في حين يصل الراتب السنوي لزملائهم الألمان إلى حوالي 62300 يورو، أي ضعف الراتب الفرنسي، ودعا ذلك نقابات عمال قطاع التربية في فرنسا إلى رفع أجور المعلمين وتحسين ظروف عملهم، لأنه ليس من العادل تقاضي مدرس مبتدئ نفس الراتب الذي يتقاضاه مدرس يملك خبرة تفوت عشرة أو خمس عشرة سنة.
وأكد إريك شربونييه، المكلف بالمسائل التربوية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن" مسألة الأجور مسألة محورية، لكن المشكل الأكبر يكمن أيضا في الترقية". وتابع: "الأجور لا ترتفع بشكل أسرع بسبب نظام تربوي جامد، فبالرغم من الخبرة والأقدمية التي تقدر بعشر سنوات، المدرسون الفرنسيون يتقاضون رواتب أقل بـ20 بالمائة مقارنة بزملائهم الذين يعملون في الدول المنتمية إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".
وليست فرنسا البلد الوحيد الذي يعاني من نقص المدرسين، بل الكثير من الدول الأوروبية أصبحت مهنة التدريس لا تجذب المتخرجين من الجامعات". المشكل ذاته تعاني منه كذلك الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وكندا حسب إريك شربونييه.
ويشكو قطاع التربية الفرنسي من نقص كبير في عدد المدرسين، قدر بنحو 4000 مدرس، مما أثار مخاوف نقابات التربية التي تخشى أن تبقى العديد من الأقسام من دون أساتذة، وعللت النقابات هذا التراجع في عدد المدرسين بالرواتب الضعيفة التي يتقاضونها.
وقالت صوفي فنيتيته، الأمينة العامة للنقابة الوطنية للمدرسين في الدرجة الثانية: "في الثمانينيات، كان راتب المدرس المبتدئ أكثر من ضعف الحد الأدنى للأجور (حوالي 2,2). أما اليوم فقد انخفض إلى 1,1 فقط من الحد الأدنى للأجور على الرغم من أن المستوى التعليمي للمدرسين ارتفع وأصبحوا يملكون شهادات جامعية عالية". وأضافت: "المدرسون الفرنسيون لم يفقدوا فقط قدرتهم الشرائية المعتادة، بل يتقاضون أجورا منخفضة مقارنة بجيراننا الأوروبيين".
ولوضع حد لأزمة نقص المدرسين التي تواجه قطاع التربية، قرر الرئيس إيمانويل ماكرون في نهاية أغسطس/آب الماضي رفع رواتبهم بحيث لا يتقاضى أي مدرس أقل من 2000 يورو صافي شهريا، وهو قرار "إيجابي" في عيون صوفي فنيتيته، الأمينة العامة للنقابة الوطنية للمدرسين في الدرجة الثانية، "لكنه غير كافي" في رأيها.
النقص في بعض الدول الأوروبية
حسب تقرير نشرته اللجنة المالية في مجلس الشيوخ الفرنسي حول "جاذبية مهنة المدرس"، فألمانيا كان ينقصها 15000 مدرس خلال الدخول المدرسي لعام 2019. وهناك احتمال أن يرتفع هذا العدد إلى 26000 مدرس في المرحلة الابتدائية بحلول 2025.
أما في السويد، فهناك حاجة إلى توظيف 77000 مدرس بحلول 2023. الأمر هو نفسه في الولايات المتحدة الأمريكية التي تحتاج إلى حوالي ألف مدرس خلال الدخول المدرسي لعام 2022. ما جعل مجلة واشنطن بوست تصف هذه المشكلة "بالعويصة" لم يسبق "للبلاد أن واجهتها".
في بريطانيا، أشارت دراسة أجراها الاتحاد الوطني للتعليم، وهي أكبر نقابة تعليمية في البلاد، إلى أن 44 بالمئة من الموظفين في قطاع التربية ينوون ترك مناصبهم مع حلول 2027.
وأضاف أريك شربونييه أن "المدرسين لا يعانون فقط من مشكل تدني الأجور، بل أيضا من تدهور فضاءهم الوظيفي". "ففي ألمانيا مثلا، المدرسون أصبحوا عرضة للفصل من الشغل في أي وقت بعدما فقدوا ضمانة التشغيل مدى الحياة". بشكل عام، المدرسون أصبحوا يشعرون بأنهم مطالبون بالقيام بالمزيد لكن مع تقاضي نفس الأجور"، يقول شربونييه.
فنلندا مثال يحتذى
دعا إريك شربونييه إلى الاقتداء بمثال فنلندا قائلا: "في هذا البلد الأجور مقبولة ومرتفعة مقارنة بفرنسا، المدرسون يحظون باحترام من قبل المجتمع ومهنة التدريس لا تزال تجذب المعلمين لأنهم يستفيدون طيلة حياتهم الوظيفية بفرص تمكنهم من تطوير قدراتهم".
وطالب بمزيد من الجهود لحث الأساتذة على البقاء في قطاع التربية وعدم مغادرته، مشيرا إلى أن هذا يمر عبر" التبادلات العلمية والتدريبات من أجل تعلم طرق تعليم جديدة وعبر أيضا منح علاوات مالية للمدرسين الذين ينخرطون في هذه البرامج الجديدة".
وقررت الحكومة الفرنسية الاستجابة من خلال تغييرات جوهرية للمشاكل التي يعاني منها قطاع التربية، وذلك عبر تشغيل مدرسين غير متعاقدين قد يصل عددهم إلى 3000 مدرس بهدف إنجاح الدخول المدرسي لهذا العام.