-
هولندا: لاجئون يروون قصص هجرتهم غير الشرعية من مخيمات هولندا (7)
-
ابنته المريضة بالتوحد على ظهره
أمستردام (كامب تير أبل) - محمد عيد
ما تزال منصة "المهاجرون الآن" تواصل رصدها لقصص المهاجرين من العالم، من خلال اللقاء مع أبطال هذه القصص، الذين يرون تفاصيل رحلاتهم الشاقة والمتعبة، بكثير من الحزن والألم، وخاصة عندما تعود بهم الذاكرة إلى الوراء، فيستذكرون أدق التفاصيل المرهقة للجسد والعقل، حيث نجد خلال لقاءنا معهم، أن هناك جرحاً كبيراً تموضع في ذاكرتهم، على أمل أن حياتهم الجديدة في المهجر تداوي جزءاً بسيطاً من ذلك الجرح.
وهذه المرة القصة مختلفة عن باقي القصص التي تم استعراضها سابقا، لأنها ترصد حالة إنسانية لعائلة سورية، لديها طفلة لا يتجاوز عمرها 7 سنوات مصابة بمرض التوحد، والتي قطع والدها (أبو وليد. م) مسافات طويلة في الغابات الأوروبية وهي على ظهره، إلى جانب والدتها وأخوتها، ويروي الأب لمنصة "المهاجرون الآن" خلال اللقاء معه في مخيم "تير أبل " شمال هولندا، أن مشروع السفر إلى أوروبا لم يكن مطروحا قبل عامين، حيث كان مقيماً في تركيا ويعمل فيها، ولكن موجة العنصرية التركية المتصاعدة ضد للاجئين السوريين، التي أرخت بظلالها على كافة اللاجئين، مما دفعه لخوض تجربة السفر نحو القارة الأوروبية والوصول إلى هولندا لعله يجد مستقبلا أكثر أمانا لعائلته.
وفي تفاصيل رحلة (أبو وليد. م) يروي قصته لمنصة المهاجرون الآن: " بدأت الرحلة من مدينة انطاكيا في تركيا مع عائلتي المؤلفة من زوجة و طفلتين إحداهن مصابة بمرض التوحد، وطفل يبلغ 14 عاماً، وانتقلنا إلى إسطنبول في 19-8-2022 وفي هذا التاريخ حصلنا على جوازات سفر مزورة، وبعد الاتفاق مع أحد الأشخاص الذين يعملون في تهريب البشر، كانت الوجهة الأولى للوصول إلى البوسنة والهرسك، حيث تكللت الرحلة بالنجاح، وانتقلنا من المطار إلى العاصمة الصربية بلغراد، ومنها إلى نقطة تحميل في منطقة "سومبور"، حيث يتواجد فيها كامب (مخيم) للأمم المتحدة معظمه مخصص للسوريين، وهناك التقيت مع المهرب المسؤول عن رحلتي برفقة العائلة، وطلب أن نحجز ليلتين في أحد فنادق المنطقة، ثم طلب أن نعود إلى الكامب في منطقة سنبور، لنجتمع مع مجموعة من السوريين الذين ينوون الهجرة إلى أوربا، وقبل الانطلاق، طلب المهرب من الجميع شراء حاجياتهم من أحد المتاجر والتي تتضمن كيس النوم، وطعام، وشراب وبعض المواد الطبية، وانتظرنا حتى الساعة 4 عصرا، حيث جاءت 4 سيارات دفع رباعي، وبدأت بنقل المجموعة المؤلفة من 60 فردا بمرافقة اثنين من المرشدين (الريبرية)، وبلغ عدد مجموعتنا 15 فردا.
في الغابات
يتابع "أبووليد: "وصلنا إلى نقطة في الغابات الصربية منتصف الليل وطلبوا منا النوم، وفي الساعة 4 صباحا طلب مرشد الرحلة من عائلتي، التي كانت تتبع لمجموعة أبو سامر أن نستعد للمغادرة، حيث كانت كل مجموعة تتبع لأسماء أشخاص وهمية، وانطلقنا سيراً على الأقدام ومشينا بين الحقول والمزارع، وخلال هذه الفترة، كانت ابنتي المريضة عاجزة عن المشي، فوضعتها على ظهري ومشيت فيها، ومعظم الوقت كانت غارقة في النوم، لا تدرك ماذا يحدث حولها، ووصلنا إلى حاجز الأسلاك الذي يقطع ما بين صربيا والمجر، ووضعت سلالم تربط الطرفين للصعود عليها، والانتقال إلى الضفة الأخرى في المجر.
صعدنا بحذر كبير كي لا تلمسنا الأسلاك الشائكة، خشية كشف أمرنا مباشرة لوجود حساسات على الأسلاك، وتجاوزنا الحاجز بسلام، ودخلنا الغابات المجرية، وبعد 3 كم متر من الحاجز، بدأ جسمي وأرجلي بالتعب لكوني أحمل ابنتي وأغراض الرحلة، كما عائلتي بدأت تشعر بالإرهاق، يستأنف أبووليد حديثه.
تنهد أبووليد قليلاً، ثم تابع: "بعد استراحة لمدة نصف ساعة تابعنا المسير ليلا حتى طلوع الشمس، وصلنا إلى نقطة التحميل الثانية، وخلال انتظارنا جاءت سيارة وأخذت عائلة تركية باتجاه النمسا، ثم طلب منا المرشدين المرافقين الانتقال إلى نقطة ثانية، وخلال سيرنا ليلاً بدأت الأمطار تهطل بشكل غزير، فاضطررنا للجلوس في نفق بيتوني، وأتذكر أن هذه الليلة تماماً، ولن تمحى أبدا من ذاكرتي، كانت أصوات الرعد قوية والبرق يضيئ الغابات، وكأننا نشاهد فلم رعب، وبعد أن خفت حدة الأمطار انطلقنا نحو المنطقة المحددة، وقررنا السير على سكة القطار، ولأنني عاجز عن السير بسرعة، كباقي المجموعة، لأنني أحمل ابنتي المريضة على ظهري، طلبت من عائلتي مرافقة المجموعة، وأنا أسير ببطء، وبعد المشي حولي نصف ساعة على سكة القطار، شاهدت ضوء قادم باتجاهي من بعيد، للحظات لم أدرك أن هذا الضوء هو لقطار قادم بسرعة، وقبل لحظات من وصول القطار تداركت الموقف ورميت بنفسي مع ابنتي على الجانب الآخر من السكة، فمر القطار بسرعة كبيرة وأضواؤه تخترق سواد الليل، وفي هذه اللحظة، توقعت المجموعة وعائلتي أن القطار صدمنا، فعاد مرشد الطريق يناديني حتى وجدني، وكانت ابنتي الصغيرة تبكي بشدة، ووصلت بالنهاية مع المجموعة إلى نقطة "بن جدو" في الأراضي المجرية وجلسنا في حقل ذرة، وانتظرنا لليوم الثاني، ولم تصل أي سيارة لنقلنا وبدأ الطعام ينفذ من الجميع ولم يتبقى معنا سوى كمية قليلة من التمر، وانقطعت ابنتي المريضة عن الطعام لمدة 3 أيام، وكانت تشرب فقط، وخلال هذه الفترة الحرجة شاهدت التعب على وجوه عائلتي الحزينة، وحاولنا أن نجد مأوى يحمينا من تساقط الأمطار، فوجدنا بيت مهجور وجلسنا فيه مع مجموعة من الأشخاص، أشعلنا النار وجففنا ملابسنا.
عودة إلى نقطة الإنطلاق
ويكمل أبووليد الرواية: "بدأت ابنتي تحجم عن شرب الماء أيضا، وانتابنا القلق من تدهور صحتها، وفي هذه اللحظة جاءت سيارة فورد سوداء، ونقلتني مع عائلتي وشخصين أخرين باتجاه النمسا ، وخلال سيرنا على الطريق السريع، لاحظت الشرطة المجرية أن عدد الركاب غير قانوني داخل السيارة، فلاحقتنا وأوقفتنا، ثم اقتادتنا إلى نقطة بوليس، وهناك احتجزونا في السجن، بعد أن حققوا معنا من خلال مترجمة جزائرية، وبعد قضاء ليلة في السجن أعادتنا الشرطة المجرية إلى نقطة البداية في صربيا، وأتذكر أننا تعرضنا لموقف عنصري من أحد كبار السن في صربيا، ففي طريق عودتي إلى مكان التجميع، كنت أمشي بمحاذاة ممر للدراجات، وصادفنا رجل عجوز يقود دراجته الهوائية ومباشرة رشقنا بمادة سائلة لونها أحمر من خلال بخاخ، وجاء الرزاز على رقبتي ووجهي، في البداية لم أشعر به، وكانت رائحته كريهة، ولكن بعد أن فركت عيوني، صرخت من الألم، كان السائل حادا يشبه الفلفل الأخضر، كما أن ابنتي الصغيرة التي كانت أيديها تحيط برقبتي الملوثة بهذه المادة قد فركت عينيها، وبدأت بالصراخ والبكاء، ولم تخف حدة السائل حتى وصلنا إلى إحدى محطات البترول الواقعة على الطريق وغسلت وجهي ووجه طفلتي من السائل.
ويواصل أبو وليد شهادته:" وبعد دخولي الأراضي الصربية ووصولي إلى الكامب التابع للأمم المتحدة في منطقة "سومبور" قررت تغير المهرب الرئيسي واستبدلته بمهرب ثان لإعادة المحاولة مرة أخرى، وأخذت فندق لمدة ليلتين، وخرجنا مع المهرب واستقرينا في منزله مع مجموعة من طالبي اللجوء، واشترينا أغراض الرحلة وانطلقنا لمسافة 15 كم باتجاه منطقة يسيطر عليها مجموعة من الأفغان، وانتظرنا حتى 10 ليلاً، وطلبوا منا عبور حاجز الأسلاك الشائكة بعد تركيب سلالم من الجانبين، ولكن هذه النقطة من الأسلاك كانت أصعب بكثير من نقطة الأسلاك في المرة الماضية، وعبرنا الأسلاك بصعوبة بعد صعودنا السلالم والانتقال إلى الأراضي المجرية، صادفتنا في هذه النقطة غابات كثيفة وأغصان مشبكة من الأشجار، وكان السير في هذه المنطقة صعب جداً، ولم استطيع قطع مسافة 3 كم إلا بشق الأنفس، وخاصة أنني أحمل ابنتي بيد، وبالأخرى أزيل أغصان الأشجار من أمامي، ووصلنا إلى نقطة التحميل في الأراضي المجرية الساعة 11 ليلا، وارتحنا حتى الصباح، ووصلت إلينا سيارة مغلقة مثل الفان الكبير، ومباشرة طلب منا السائق الصعود وكان عددنا يتجاوز 15 شخصا، وتفاجأنا بوجود أشخاص اخرين سبقونا داخل صندوق السيارة، كانوا يجلسون فوق بعضهم البعض.
انطلقت السيارة بسرعة جنونية، وفي هذه الفترة كان المهرب لكل مجموعة يطلب من الأفراد المتعاقدين معه فتح هواتفهم والتواصل معه، عبر برنامج تحديد المواقع مباشرة، لمتابعة طريق كل فرد تابع له.
عبرنا الأراضي السلوفاكية وكانت فرحتنا كبيرة، ثم دخلنا الأراضي التشيكية، وتوقف السائق وأنزلنا بعد التقاط مقاطع فيديو للجميع، وأرسلها للمسؤولين عن الرحلة لإعلامهم بإداء المهمة، وبعد أن جلست مع العائلة في حقل من الذرة، تواصلت مع المهرب لإرسال سيارة إلى موقعي لنقلي إلى هولندا، ووصلت السيارة 6 مساءا ونقلني مع العائلة من التشيك إلى ألمانيا ثم دخلنا هولندا 6 صباحاً، بعد رحلة شاقة ومعاناة صعبة لعائلتي وخاصة طفلتي، علاوة على الكلفة المالية التي بلغت حوالي 25 ألف دولار، على أمل أن يكون لجوئي البوابة التي تساعدني على علاج ابنتي الصغيرة من مرض التوحد.
للاطلاع على الحلقات الماضية
- هولندا: لاجئون يروون قصص هجرتهم غير الشرعية من مخيمات هولندا (1)
- هولندا: لاجئون يروون قصص هجرتهم غير الشرعية من مخيمات هولندا (2)
- هولندا: لاجئون يروون قصص هجرتهم غير الشرعية من مخيمات هولندا (3)
- هولندا: لاجئون يروون قصص هجرتهم غير الشرعية من مخيمات هولندا (4)
- هولندا: لاجئون يروون قصص هجرتهم غير الشرعية من مخيمات هولندا (5)
- هولندا: لاجئون يروون قصص هجرتهم غير الشرعية من مخيمات هولندا (6)
قد تحب أيضاe
الأكثر قراءة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!