-
أدونيس: بين لهاث نوبل وسرقة الشعر...من ينتصر؟

صخر ادريس
ما دفعني إلى كتابة هذا المقال وبخلاف المهرجان السنوي الذي يرافق منذ ربع قرن ترشح الشاعر السوري أدونيس لجائزة نوبل لكن هناك دافع آخر أشد وقعاً، وأكثر حميمية، وهو المرحوم الصحفي والمترجم صخر الحاج حسين، الذي توفي أواخر 2017، وأخبرني أثناء سهرة ساخرة بأن أدونيس في نظره عبارة عن لص نصوص، وحدد آنذاك الفرنسي سان جون بيرس، وهو تعليق استقر في ذهني وأشعل شرارة البحث في المراجع، والترجمات في هذا الحفل المكرر الذي تنشر فيه العديد من وسائل الإعلام خبراً سنويا وكأنه واجب ثقافي بارد يشعر القارئ انها مجرد حشو للصفحات باسم الحداثة.
أثناء البحث، اكتشفت أن هناك من تناول موضوع سرقة النصوص بجدية شديدة وهو الشاعر العراقي المقيم في باريس "كاظم جهاد" الذي أصدر عام 1993 كتابه: "أدونيس منتحلاً دراسة في الاستحواذ الأدبي وارتجالية الترجمة"، قارن فيه نصوص سان جون بيرس بمقاطع من شعر أدونيس، وبين حجم ما استعار، أو لنقل ما سرقه بطريقة شبه حرفية، دون أي إشارة إلى المصدر.
وتابعت، فوجدت ما كتبه فقد كتب الأكاديمي التونسي محمد الغزي في مقاله "لماذا لا يقر أدونيس بجهد الآخرين"، عن كتاب أدونيس المكون من أربعة أجزاء بعنوان "ديوان البيت الواحد"، حيث جمع فيه أبياتاً مفردة من مدونة الشعر القديم وأعاد صياغتها لتصبح ما يشبه القصائد الجديدة أو الومضات. الغزي طرح السؤال البسيط الذي كثيراً ما يتجاهله محبو أدونيس: هل من المقبول أن تُباع جهود الآخرين تحت عنوان الإبداع الأصلي؟ السؤال نفسه الذي طرحه صخر الحاج حسين لي أثناء حديثنا: هل الإبداع فعلاً أصيل أم مجرد لعبة استعراضية؟
ثم يأتي الناقد السوري صالح عضيمة بكتابه "شرائع إبليس في شعر أدونيس" الصادر عام 2009، ليؤكد ما سبق: هناك اقتباسات غربية من دون إشارة إلى المصدر، بعضها من سان جون بيرس، وبعضها من شعراء آخرين، ما يجعل النصوص تبدو أحياناً وكأنها سحر شعري، لكنه في الواقع إعادة تغليف ذكية لما سرقه أو استعار.
ولا ننسى التراث العربي القديم، حيث نشر الشاعر العراقي عادل عبدالله عام 1978 مقالاً في مجلة الطليعة الأدبية بعنوان "من كتب تحولات العاشق: أدونيس أم النفري؟"، وأثبت لأول مرة أن أدونيس أخذ مقاطع حرفياَ من المتصوف الإمام محمد بن عبد الجبار النفري، المعروف ايضاً بالاسكندري، والذي عاش في القرن الرابع الهجري، ما يثير التساؤل، وإذا أردنا السخرية باستظراف أن هذه المقاطع القديمة لا تزال تبدو مقنعة جداً للقارئ المعاصر وكأن النفري نفسه جاء ليصنع الحداثة الشعرية في القرن العشرين تحت توقيع أدونيس.
عند جمع كل هذا، يتضح أن هناك تراكماً من الاقتباسات والاقتباسات المعاد صياغتها، سواء من الشعر الغربي أو التراث العربي القديم، ومع ذلك، يظل أدونيس ومحيطه يلهثون خلف جائزة نوبل كما لو أن الفوز بها سيكفر عن كل ما سرق أو استعار، أو ترجم أو امتدح ودعم ديكتاتوريات!
لا شك أن هذه المقارنات تركت أثراً عميقاً في فهمي، وأكدت أن ما يبدو أحياناً إبداعاً أصيلاً قد يكون مجرد إعادة تدوير نصوص عالمية بمهارة عالية.
الخلاصة مفتوحة، الخيار للقارئ، والتفكير متاح، وربما لو توقفنا عن لهاث الاحتفالات السنوية، يمكننا أن نرى الشعر العربي، وحدوده، وإبداعه، بشكل أوضح، دون أن نحتاج إلى مسابقات سنوية لتذكيرنا باسم شاعر على حساب الحقيقة الأدبية، والخيار لكم بغض النظر عن نبوءة نوبل التي لم تتحقق ابداً لأنهم "يعلمون عنا أكثر منا".
قد تحب أيضاe
تصويت / تصويت
هل العنصرية ضد المهاجرين ممنهجة أم حالات لاتعبر عن المجتمعات الجديدة؟
الأكثر قراءة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!