-
وثائق استخباراتية تكشف تجسّس النظام السوري المخلوع على صحفيين سوريين في المهجر
متابعة ورصد
مع خلع نظام بشار الأسد وفتح أبواب الفروع الأمنية، ظهرت وثائق جديدة تكشف عن عملية مراقبة وتجسّس استهدفت صحفيات وصحفيين سوريين في المهجر، وظهر منها حتى الآن، استهداف الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية “سراج”، التي نشطت في كشف الجريمة المنظمة والفساد الحكومي في سوريا.
نشاط أمني ضد الإعلام
قبل شهرين فقط من انهيار نظام الأسد المفاجئ، كانت أجهزة الأمن السورية، ممثلة بإدارة المخابرات العامة (أمن الدولة)، تواصل عملها المعتاد، بما في ذلك مراقبة الصحفيين حول العالم، والوثائق التي عثر عليها عقب سيطرة المعارضة على دمشق في 8 ديسمبر/كانون الأول، تكشف أن أمن الدولة كان يجري تحقيقات موسعة حول “سراج”، وهي وحدة صحافية تعمل منذ عام 2019 بالتعاون مع منصات عالمية وعربية، على نشر تقارير استقصائية تكشف الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
ومن ناحية اخرى نشر الصحفي السوري المقيم في ألمانيا، أن المخابرات أرسلت مذكرة الى قسم أمن الدولة في جبلة التي ينحدر منها لمتابعة نشاطه بمكان إقامته في ألمانيا
اتهامات لا أساس لها
إحدى الوثائق أشارت إلى أن “سراج” ليست سوى “واجهة للتجسّس وربط مصادر لجمع معلومات عن المؤسسات العسكرية والأمنية السورية”.
هذه الاتهامات، التي لا أساس لها ولا دليل عليها، تُظهر مدى الريبة التي كان يتعامل بها النظام مع الإعلام المستقل، وهي نظرة كثيراً ما تحولت إلى قمع عنيف.
اقرأ هذا الخبر: سقوط نظام الأسد وبداية رحلة استعادة الثروات المنهوبة
انتهاكات بحق الصحفيين
على مدار سنوات الثورة السورية، اختطفت قوات الأسد مئات الصحفيين، وغيبتهم ومنهم من مات تحت التعذيب، وبحسب إبراهيم حسين مدير مركز الحريات في رابطة الصحفيين السوريين والذي بدأ بتوثيق الانتهاكات منذ بداية الثورة السورية، كان 27 صحفي وصحفية قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري لغاية يوم سقوط النظام الذي حرر فيه صحفية واحدة فقط، فيما يبقى 26 صحفي وصحفية مصيرهم مجهول، 6 منهم مختفين لدى سلطات المخلوع بشار الأسد، و20 غير معروف الجهة التي أخفتهم او اعتقلتهم.
وتُظهر الإحصائيات أن النظام السوري المخلوع قتل لا يقل عن 350 حالة تقريباً منذ 2011 من أصل 476 حالة.
علماً، أن القمع والقتل بدأ في سوريا مع انقلاب حافظ الأسد على السلطة عام 1970، ولم يُعرف العدد الحقيقي للضحايا من الصحفيين والناشطين الذين اعتبرهم النظام أعداء له، واخفى جثث ضحاياه أو سلم اهاليهم شهادات وفاتهم، وسط صمت الأهالي خوفا ورهبة من مصير مشابه حال كشفوا عن هذه الممارسات القمعية.
سقوط النظام وظهور الوثائق
بعد فرار بشار الأسد إلى موسكو، قبل سيطرة المعارضة المسلحة على دمشق، تاركاً حلفاءه وأجهزة الأمن في حالة فوضى، هذا الانهيار سمح بتحليل آلاف الوثائق التي تكشف عن جرائم النظام.
محمد بسيكي، المدير التنفيذي لـ”سراج”، أثناء حديثه مع “المهاجرون الآن” قال: “حصلت سراج على وثائق تثبت أن إدارة المخابرات العامة السورية كانت تراقب أنشطتنا الصحفية، بما في ذلك معلومات عن فريقنا وشركائنا الدوليين، وكشفت الوثائق عن ملاحقة 6 فروع أمنية تابعة للنظام السابق لنا داخل سوريا وخارجها، ووصفتنا بأننا واجهة لأنشطة تجسسية” ويضيف: “شعرت بالرعب عند الاطلاع على هذه الملفات، إذ أكدت ما كنا نخشاه دائمًا، عملنا في توثيق فساد النظام السوري وانتهاكاته جعلنا هدفًا لأحد أكثر الأجهزة الاستخباراتية قمعا، ورغم المخاطر، استمرينا في عملنا متمسكين بحلم إعلام مستقل قادر على محاسبة السلطة. الآن نعلم أن تقاريرنا أثرت بعمق، إذ أظهرت الملفات قلق النظام من تحقيقاتنا التي أدت إلى عقوبات وضغوط دولية”.
وينهي بسيكي: “على الرغم من الثمن الذي دفعناه كصحفيين في بيئة معادية للصحافة الحرة، نؤمن أن الفرصة متاحة الآن لبناء إعلام سوري مستقل يعزز العدالة والشفافية”.
وتواصلت المهاجرون الآن مع منار رشواني، المدير المشارك في “سراج” واسمه موجود ضمن الأسماء المراقبة رغم انضمامه حديثا لسراج في سبتمبر الماضي، وقال: “من ملاحظتي أن شخصاً تطوع وقدّم القصة للمخابرات السورية، حيث تبين لاحقًا أنه نسخ المعلومات المقدمة في تقريره من الموقع الالكتروني وهي متاحة للجميع، ولكنه لفت انتباه المخابرات بردود فعل بعض أعضاء البرلمان السويدي، الذي دعا إلى مراجعة العقوبات على سوريا بعد نشر تحقيق حول الشاحنات الأوروبية، والذي تم بالشراكة بين “سراج” وبعض المنظمات الدولية التي كانت تنقل المساعدات إلى مناطق النظام، وتابع: “هذا التفاعل من أعضاء في البرلمان، دفع المخابرات السورية إلى التحرك وممارسة الضغط على أسرنا داخل سوريا”.
اقرأ هذا الخبر: سوريا: اعتقال العائدين من النازحين واللاجئين...بما فيهم الذين أجروا عمليات تسوية.
الموافقة على التجسّس
كشف الملف أن إدارة المخابرات العامة بدت وكأنها تفسر الممارسات الصحافية العادية، التي يقوم بها صحافيو “سراج”، مثل إجراء المقابلات وفحص الوثائق، على أنها أعمال استخبارات سرية.
وجاء في مذكرة موجهة إلى مدير إدارة المخابرات العامة:
“المنصة المذكورة لا تتعدّى كونها واجهة لممارسة أعمال تجسّسية وربط مصادر وجمع معلومات، عن مؤسسات الدولة السورية العسكرية والأمنية على مختلف الصعد، وتقديمها إلى شبكة من المنظمات الدولية الغربية المرتبطة بأجهزة الاستخبارات الأميركية والأوروبية”.
تُشير مذكرة المخابرات العامة إلى “المنظمات الدولية التي تتعاون ما تسمى منصة (سراج) المشبوهة، وتتبادل معها المعلومات بذريعة تبادل المعرفة”.
من بين هذه المنظمات المذكورة “الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية” (GIJN) وهي جمعية تضم منظمات غير ربحية، وحين عرضت الوثيقة على إميليا دياز- ستراك المديرة التنفيذية للشبكة، قالت: “الوثيقة تُشوّه عمل الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية وعمل الصحافيين الاستقصائيين.”
تركّز مذكرة المخابرات العامة على تحقيق نشرته "سراج" و مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد المعروفة باسم OCCRP، في أيلول/ سبتمبر الماضي، وكشفت عن ثغرات في نظام العقوبات، سمحت للجيش السوري بالحصول على شاحنات سويدية الصنع.
وجاء في مذكرة المخابرات العامة أنه بعد نشر التحقيق “طالب العديد من السياسيين والبرلمانيين السويديين مجلس الاتحاد الأوروبي في بروكسل، بمراجعة سياسته بشأن العقوبات على سوريا”.
وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر، وافق مدير المخابرات العامة على عملية للتجسّس على “سراج”، وتُظهر المذكرة التي تطلب هذه العملية كيف امتدّت شبكة المخابرات العامة إلى خارج سوريا.
وجاء في الطلب: “توجيه محطاتنا في الخارج لمتابعة الموضوع وموافاتنا بالمعلومات المتوفرة، ومفصّل هويات العملاء الذين يديرون المنصة المشبوهة تحت غطاء إعلاميين”.
في ذلك الوقت، كان المدير العام للمخابرات العامة هو حسام لوقا، الذي فرض عليه الاتحاد الأوروبي عقوبات، ويُعرف بلقب “العنكبوت”، موقعه الحالي غير معروف، ولم يرد على أسئلتنا التي أُرسلت له عبر تطبيق “واتساب”.
وافق لوقا على العملية، لكن من غير الواضح من الوثائق ما هي الموارد التي تم استخدامها أو الأنشطة المحددة التي تم تنفيذها، إذ سرعان ما انهار النظام بعد ذلك.
ومع ذلك، بعد فترة وجيزة من كتابة المذكرة، زار عميلان مسلّحان من المخابرات العامة في دمشق، مكان عمل والد محمد بسيكي، مؤسس منصة “سراج” والمدير التنفيذي، الذي يعيش في المهجر، وقام المسلّحان باستجواب والد بسيكي لمدة 3 ساعات وفتشوا هاتفه، خوفاً من الاعتقال غادرت عائلة بسيكي منزلها لبضعة أيام بعد الاستجواب.
الطريق الطويل نحو العدالة
على الرغم من أن ذلك الاستجواب كان مرعباً، لكن العديد من السوريين عانوا من أمور أسوأ بكثير في ظل نظام الأسد.
اشتهرت أجهزة الأمن بممارسة التعذيب لانتزاع المعلومات من المعتقلين، وامتلأت السجون بأشخاص يُشتبه في أنهم يعملون ضد النظام، في حين اختفى آلاف آخرون ببساطة.
مع رحيل الأسد وتشكيل حكومة مؤقتة، يطالب الضحايا وعائلاتهم بالمحاسبة، لكن يبقى السؤال: كيف ستبدو هذه المحاسبة، علماً أن رابطة الصحفيين السوريين كانت بدأت مشروع لمحاسبة مجرمي الحرب المتورطين بقتل الصحفيين السوريين منذ عام 2019، ولأسباب تقنية تأجل المشروع، والعمل جار عليه حالياً.
تم نشر هذه المادة بالتنسيق مع "سراج"