-
بشأن السوريين الذين يفقدون حقوقهم تعسفًا في تركيا
غزوان قرنفل
تنبئنا أحوال الكثير من السوريين المرحّلين أو “العائدين طوعًا” من تركيا أنهم فقدوا ممتلكاتهم أو أرصدتهم المصرفية، ولم يعد بمقدورهم التصرف بها أو حتى تحويلها إلكترونيًا، ذلك أن السوري المرحّل يتم إبطال “الرقم الوطني” العائد له، والمدون على بطاقة الحماية الممنوحة له، وذلك بمجرد ترحيله وإخراجه من المعبر الحدودي التركي، وغالبًا قبل ذلك، وهذا الرقم هو المعرّف القانوني لشخصه طالما هو موجود على الأراضي التركية، وبمجرد إلغائه وإبطال بطاقة الحماية الخاصة به تتعذر إمكانيته لسحب أمواله من المصرف باعتبار أن الحساب المصرفي نفسه تم فتحه بموجب هذا الرقم، كما تتعذر إمكانيته لبيع سيارته مثلًا لنفس السبب وتلك مشكلة، ولا أفق لحل تلك المسألة حتى الآن بالرغم من تكرارها ومعاناة آلاف السوريين منها، وإلحاق خسائر كبيرة بهم دون وجه حق.
على المستوى الشخصي كنت قد تلقيت عشرات الاتصالات والرسائل من سوريين يعانون من هذا الأمر طلبًا لمخرج أو فتوى قانونية تتيح لهم استرجاع حقوقهم، ومع الأسف فإن مسارب الحلول معدومة تقريبًا، ما لم يكن المتضرر قد نظم مسبقًا توكيلًا قانونيًا لأحد أقربائه أو أقرانه، ويفضل أن يكون من المجنسين أو من حملة الإقامة سارية المفعول، وليس لمن يحمل بطاقة حماية، لأن هذا الأخير بدوره قد يكون فجأة في طابور المرحّلين، حتى يتمكن وكيله من إنجاز معاملة بيع السيارة أو تحريك الحساب المصرفي وسحب رصيده وإغلاق الحساب. وكنت قد نصحت بذلك في غير رسالة مصوّرة بثت عبر وسائل التواصل أو عبر النصائح القانونية التي نقدمها عادة في بعض الوسائل الإعلامية.
اقرأ هذا الخبر: رفض إصدار تصاريح سفر خارجي للسوريين في تركيا...المهاجرون الآن تستفسر
والحقيقة أنه يتعين على السلطات التركية إيجاد حلول لمثل تلك المسائل، فلا يجوز قانونًا حرمان أحد من ملكه أو الحؤول بينه وبين إمكانية التصرف به بأي شكل من الأشكال، وتلك هي المسؤولية القانونية للدولة التركية، إذ لا يعقل ألا يتمكن اللاجئ الذي تم ترحيله لأي سبب كان من بيع سيارته أو منقولاته التي يرغب ببيعها، أو بتصفية شركته أو متجره، كما لا يجوز بأي حال عدم تمكينه من سحب ودائعه ومدّخراته المالية من المصرف وكأنها مال مستباح.
ويمكن في هذا السياق أن تتخذ وزارة الداخلية قرارًا ويتم تعميمه على جميع الجهات الإدارية والأمنية التابعة لها، بتحديد يوم في الأسبوع باستقدام الكاتب العدل إلى كل مركز من مراكز الاحتجاز الإداري التي يتم فيها تجميع المتخذ قرار بترحيلهم، لتمكينهم من تنظيم وكالات قانونية لوكلاء عنهم قبل ترحيلهم، وكذلك تمكينهم من هواتفهم المحمولة لمدة محددة ومنحهم فرصة الاتصال الهاتفي بذويهم لإعلامهم بمكانهم، وللتواصل أيضًا مع محامٍ أو مع الشخص المراد توكيله لينوب عن المحتجز في إجراء تلك المعاملات وتصفية تلك الحقوق والممتلكات، وهو ما يلبي الحد الأدنى لحقوقهم الإنسانية والقانونية باعتبارهم بشرًا، وليسوا حيوانات يراد شحنها خارج الحدود.
لقد شكلت السلطات التركية قبل أكثر من عام مجالس تمثيلية للسوريين تجتمع بها دوريًا، فيما يفترض أنها رغبة منها بالحصول على إحاطة عن أوضاع اللاجئين السوريين وظروفهم وإبلاغهم بأحدث القرارات والإجراءات التي يتعين على السوريين الامتثال لها، لكن اللافت في هذا الأمر مسألتان، الأولى أن هذه العلاقة بين تلك المجالس التمثيلية والمؤسسات الرسمية هي علاقة باتجاه واحد، بمعنى أن دورها عمليًا لا يتجاوز تلقي التعليمات والقرارات والأوامر والنواهي فحسب، دون تمكينها من طرح المشكلات أو المعوقات التي يواجهها السوريون الذين يفترض أن تلك المجالس تمثلهم، أو ربما يتم طرحها فعلًا لكنها لا تجد الآذان الصاغية، ولا تجد إجراءات عملية تعكس الرغبة أو الإرادة بإيجاد حلول عملية لها، بدليل أن المعوقات لا تزال موجودة، كالمسألة المطروقة في هذه السطور، ولم يجد لها أحد حلًا حتى الآن.
وأما المسألة الثانية، فهي أن كل تلك المجالس على الإطلاق لم يحصل قط أن نشرت بيانًا مفصلًا بمضامين لقاءاتها، والقضايا التي طرحتها نيابة عمّن يفترض أنها تمثلهم، ولا ردود المؤسسات الحكومية عليها، سلبًا أو إيجابًا، وكأنها تناقش مسائل سرية لا يجوز البوح بها ولا نشر ما اتخذته السلطات من إجراءات بشأنها.
يجب أن يدرك اللاجئون السوريون أنه ومهما كانت طبيعة التوصيف القانوني لوجودهم على الأراضي التركية فإنهم يتمتعون بحقوق نصت عليها القوانين الوطنية والدولية، والتزمت بها الحكومة التركية نفسها، بحيث صارت جزءًا من التزاماتها القانونية كدولة، وبالتالي فإن مناقشة تلك الحقوق، فضلًا عن المطالبة بها، لا يعتبر بحال من الأحوال انتقاصًا من سيادة الدولة أو امتهانًا لكرامتها الوطنية، بل مطالبة محقّة بحقوق هي أقرتها، والتزامات هي ألزمت نفسها بها، وليست تكرمًا وتفضلًا حتى يشعر الضيف بالخجل ويكتفي بما يجود عليه به المضيف، وأنه ما لم يحمل أعضاء تلك المجالس هموم الناس ويلحون على ضرورة إيجاد حلول عاجلة لها فستبقى تلك الحقوق مهدورة، وسيبقى ظهر السوريين مكشوفًا حتى رحيل أو ترحيل آخر سوري منهم خارج تركيا.
المادة نقلاً عن مؤسسة عنب بلدي.