الوضع المظلم
الأحد 16 / يونيو / 2024
عائدةٌ من الموت
تعبيرية طبيعة وشوق - Image par Joe de Pixabay

هدى سليم

لم أكن جثةً هامدةً تستلقي على الأرض، كنتُ أشعرُ بأنفاسي تطيرُ في الهواء الخالي من حولي، وأنا وحيدة وخالية، كالهواء تماماً حتى من أنفاسي التي خرجت إليه وبالكاد تعود إلى داخلي. كلُ ما فيَ كان بدون حول أو قوة، ما عدا عقلي الذي رفض أن يستسلم ويكون في المكان الذي هو فيه، في بيتٍ يبعد آلاف المترات عن الحدث، ليخترق ما بينهما من جبالٍ ومسافات ويكون هناك في مكانٍ لم يكن أحد ليسمع به لولا ذاك الحدث.

حتى الآن لم أفهم لماذا صورة حازم من بين الجميع كانت الصورة التي لا تفارقني، وكذلك رضية أختي الأغلى ومعلمتي في صغري. أسماها أبي على اسم والدته، وجلبَ لها الاسمُ معه طاقةً من الرضا قلةٌ من يتمتعون بها. رغم عدم علميَ بالسبب، إلاَ أنني كل ما كنت أتمناه، أن أمتلك جناحَين وأحلق بهما فوق ذلك المكان، ألتقطُ أمي وأختي وحازم وأضمهما بين جناحَي وأمنع عنهما أي أذى.

اقرأ هذا الخبر: أطفال مهاجرون وحلم الحياة

في ذلك اليوم وما بعده، زارتني مشاعر الأمومة، مشاعر المسؤولية عن حياة أشخاص، مشاعرُ واجبٍ يحتم علي ترك كل شيء والذهاب لإنقاذ أشخاصٍ شعرتُ أنهم أطفالٌ لي. غابت الأعمارُ عنهم ولم أعد أتذكر صفةَ كل واحدٍ منهم في حياتي، وكل ما كان حاضراً هو خوفي عليهم ومسؤوليتي في حمايتهم.

عقلي هو كل ما يعمل، جسدي خائر ولا قوة فيه للحركة، لساني لا ينطق وحتى عيوني لم تمتلك طاقةً للبكاء. ذاكرتي عجزت عن تذكر صلة القرابة مع هذه الشخصيات، لم تعد أمي هي أمي بل أمست طفلتي وأنا التي يجب أن تحميها. أختي ابن أختي حازم أكثرَ ما كان يشغلني وإلى الآن لم أعلم لماذا.

في القاهرة حيث أنا، في بيتٍ في قلب المهندسين، لم يعلم بي أحد، كان الحدث يتركز على هجوم داعش على قرى في محافظة السويداء.

اقرأ هذا الخبر: فرنسا: قصة مهاجر...من شوك الحياة إلى "ياسمين" النجاح

ربما نجوت من الموت، أو غالباً، سأسيرُ دائماً على حافةٍ ما بين الحياة والموت، دون يقينٍ بأحدهما. وربما أصبح واجباً على كل مَن يريد التعامل معي أن يدرك هذه الحقيقة. ذلك التاريخ حددني طوال السنوات الماضية حتى هذا اليوم مازلت أعاني من آثاره، ليس من باب الشكوى عن ألمه فربما هذه أول مرة أتحدث فيها عنه، لكن من باب الأشياء التي تحدث ونصبح بعدها ليس كما قبلها بالتأكيد..

وربما أبدأ الآن من جديد بعد أن أدركتُ كل تلك الآثار ليومٍ واحدٍ فقط من أيام الحرب..

تصويت / تصويت

هل الهجرة واللجوء إلى دول الغرب

عرض النتائج
الحصول على الجنسية
0%
حياة افضل
67%
كلاهما
33%

ابق على اتصال

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!