الوضع المظلم
الخميس 20 / نوفمبر / 2025
شعبوية الابتزاز والتحريض...رسالة هادئة إلى فيصل القاسم
تعبيرية اطلاق نار Image by Mariakray from Pixabay

صخر ادريس

في عالم تتسارع فيه الفبركات والتصريحات المضللة أكثر مما تتسارع الحقائق، تحول التراشق الإعلامي بين بعض الصحفيين والإعلاميين إلى ساحة فوضى مقيتة تختلط فيها الأساليب غير الأخلاقية بالاستقطاب السياسي، ويضيع فيها الخط الفاصل بين النقد والاتهام.

كثيرون أصبحوا يتعاملون مع الخلافات المهنية وكأنها معارك للنصر مباح فيها الشيطنة والتخوين، ووسط هذا الضجيج، لم يعد مستغرباً تحول الكلمة إلى طلقة تغتال هدفها معنويا ونفسيا، أو تغريدة تمنح صاحبها حق الوصاية القضائية لتفصل في النوايا قبل الوقائع، دون مساءلة قانونية في بيئة خلت فيها المساءلة الأخلاقية الذاتية.

ضمن هذا المشهد الهزيل والمترهل، جاءت تغريدة الإعلامي السوري فيصل القاسم التي يعلن فيها عن "قائمة مئات الإعلاميين المرتزقة" دون تقديم اسماً واحداً او وثيقة، لتدفع بالخطاب خطوة نحو الهاوية، فهي تتجاوز حدود التصريح الصحفي أو المعلومة المسربة كما ادعى، لتندرج تحت الممارسة التحريضية الخطيرة التي يمكن أن تهدد حياة الصحفيين قبل كل شيء.

 

التغريدة التي حملت روح الاتهام الجاهز، لم تأت بجديد، وقد يكون فيصل نفسه على رأس هذه القوائم، ولكن التلويح بتهديد معلّق لا يهدف إلى حماية المهنة ولا البلد كما يدعي، بقدر ما تفتح باباً للضغط والابتزاز، بدليل التلويح "بالمرحلة الثانية"، الذي يعتبر إعلان عن نية التخوين والاستقطاب لا عن نية الإصلاح.

خطورة سلوك القاسم مؤخراً لا تنبع من تغريدته بحد ذاتها، بل من السياق الذي يذكرنا بكيفية استخدام اتهامات مشابهة عبر العالم لإيذاء الصحفيين والاعلاميين، فالتجارب كثيرة ومؤلمة، من اختطاف وضرب وتهديد بالقتل نتيجة موجات تحريض قام بها "زملاء مهنة".

في أذربيجان، وجد نوفروزالي ممدوف نفسه خلف القضبان بعد اتهامات بالتعاون مع جهات أجنبية، وهو مثال واضح على كيف يمكن استخدام عبارة "عميل" أو "مرتزق" كسيف لتكميم الأفواه.

وفي روسيا، طالت الاتهامات بالتعاون مع "منظمات أجنبية" صحفيين مثل نيكا نوفاك، وهو توصيف يجري استخدامه كسلاح لإسكات كل صوت مستقل أو ناقد.

وفي لبنان، وجه حزب الله الاتهام بالخيانة للاعلامي طاهر بركة، والتي خرج منها براءة.

اقرأ هذا الخبر: طاهر بركة: إعلامي لبناني تحت سيف القضاء "المسيس" في بلاده...وسط تضامن واسع

ووثقت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والاتحاد الدولي للصحفيين حملات ممنهجة لتحريض صحفيين على بعضهم البعض، ووصف خصوم مشغليهم ومموليهم بالعملاء والخونة.

هذه الأمثلة ليست بعيدة عما قد تفتحه تغريدة القاسم من أبواب، فالتحريض الصريح يخلق بيئة من الشك والتخوين، فتصبح دعوة إلى القتل، مهددة السلم والسلام الذي يدعي القاسم انه كتب لأجله.

وإذا أضفنا إلى ذلك تلميحه بأن التمويل مرتبط بجهات كانت تعمل لصالح إيران، يصبح المشهد أكثر عبثية وتفاهة، خصوصاً أن القاسم لم يتجرأ يوماً على انتقاد زملائه في نفس المؤسسة الذين مجدوا إيران وعملوا جاهدين على غسيل جرائهما ومجازر ميليشياتها التي كانت تفتك بشعوب 4 دول عربية وعلى رأسها سوريا، فالانتقائية هنا ليست انحدار أخلاقي، بل طريقة مدروسة لضرب فئة وإغفال أخرى وفقاً للجهة التي "تدعم" صاحب التغريدة، فهو يتهم أخرين وينأى بالتهمة عن نفسه.

اقرأ هذا الخبر: قلق في المهجر من تغريدة للخامنئي اُعتبرت "تحريضية" على العنف حول العالم

وهنا، ولعلها فرصة مهمة لتذكير القاسم بتناقض سلوكه عندما قدم نصيحته: "لا تعلق مع إعلامي مهما كان" فلم تمضِ شهور قليلة حتى قرر لحسها بيده ولسانه، وصناعة صراع مفتوح مع مئات الإعلاميين دفعة واحدة، وهذا التناقض وحده كاف للسؤال: ما الذي تغير...ولمصلحة من؟

الخطوة المهنية الوحيدة الممكنة الآن والتي تنجيه من شبهة التحريض العشوائي الذي يؤدي للقتل احيانا، هي أن يكشف القاسم عن الأسماء التي يلوح بها، إن كان لديه قائمة حقيقية، فليعلنها، وليعرض الوثائق التي وعد بها، وليترك للناس الحكم، أما التلويح والتهويل وإبقاء ورقة الاتهام في الهواء، فهو سلوك لا يمكن تفسيره إلا بوصفه ابتزازاً، ويندرج تحت الارتزاق الذي يتهم به الآخرين، لمصلحة جهة ما طلبت منه نشرها.

عيب يا زلمة.

تصويت / تصويت

هل العنصرية ضد المهاجرين ممنهجة أم حالات لاتعبر عن المجتمعات الجديدة؟

عرض النتائج
نعم
23%
لا
4%
لا أعرف
8%

ابق على اتصال

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!