-
مرثية وطن يتشظى ...
-
مهاجر سوري يرثي وطنه
أحمد الياسين
فلننسَ اسم سوريا،
تعالوا نبتكر أسماءً جديدة:
دعاء، علا، سميرة، إنصاف، رُقيّة، براء، عدنان أركان، حَطين…
أسماءٌ تصلح لعواصم الكيانات الوليدة،
أسماءٌ بلا ماضٍ…
بلا شوارع تحمل وجع الذين مشوا عليها ذات حلم.
فلنُكثر من جوازات السفر،
من الحدود، من نقاط التفتيش،
ولنفرض رسومًا على القمح،
وعلى الزيتون،
وعلى التفاح،
وعلى التبغ،
وعلى عطر الياسمين إن عَبَر دون تصريح.
لنعيد تموضع قلعة الحصن حسب خطوط الطول السياسية،
ولنضع سيف الدولة في المتحف المناسب لدولته الجديدة،
وصلاح الدين نوزّعه بين من يدّعون دمه.
ولنزرع سمعان العامودي على صومعة حدودية،
ونعيد ترميم سرجيلا في قاعة انتظار لفيزا،
ونحوّل بُصرى إلى رمزٍ لقومية لم تُعلَن بعد،
والرحبة إلى منطقة نزاعٍ مؤجل،
وتنهار أسطورة سرير بنت الملك تحت ثقل التقسيم.
ولننقل القبور من أماكنها،
كل مقبرة حسب الجغرافيا الجديدة،
كي تتمكن أمٌ سورية من البكاء على أبنائها
دون الحاجة إلى إذن عبورٍ،
أو تفتيشٍ يُذلُّ دمعتها.
لنُقسِّم حتى الفرح،
نحصر الدبكة الجوبي والولدة والكسرة والعرب والنشلة والمجوز والجزراوية والشيخاني،
لكل دويلة حصّتها من الإيقاع،
لكل علمٍ رقصته،
ولنشتت آرام وكنعان ويقظان
في وقع قدمٍ على أرضٍ تنقصها الثبات.
تعالوا نقمع الجوفية،
ونُسكت الموال،
ونصادر الزجل،
ونحظر المولية والأبوذية والهجيني،
تعالوا نكسر صوت عمر أبو ريشة،
ونُعيد نزار قباني إلى الحارة التي تناسب "دولته"،
ولنمنع سيف الدولة من العبور إلى نشيدٍ مشترك.
فلنكثر من الأعلام،
والرايات،
والشعارات،
والرموز،
والأناشيد الوطنية المصنّعة على عجل.
دعونا نستورد السلاح حسب الولاءات،
وندرّب أبناءنا على حماية الحدود الجديدة،
حدود الأوطان الصغيرة،
ونزرع في صدورهم نشيد الزود،
ولو بأرواحهم التي كانت يومًا واحدة.
لنبعثر اللغة،
نستنبط لهجات هجينة،
نشرعنها كلغات رسمية،
ونعلن موت الحوار.
لنبني أضرحة النصر،
ونُقيم جداريات الشهداء،
في دول الانتصارات المتقابلة.
لنبني مجدًا فوق تلال العظام،
ونفتتح متاحف الحقدِ المؤسَّس.
ولنستدعِ هتلر،
وستالين،
وجنكيز خان،
والنمرود،
والفايكنغ من تحت الركام،
ليعينونا على إرساء الرعب بنظام.
لنتبادل الخطابات في الأمم المتحدة،
باسم "السلام العادل بين الشعوب الشقيقة المتقاتلة"،
ونُصدر البيانات،
ونُجري انتخابات نزيهة في كلّ كانتون،
ونبني جدرانًا عالية كي لا نتذكّر أننا كنّا يومًا أبناء وطنٍ واحد.
ثم نجتمع، لا على طاولة مصالحة،
بل في نشرات الطقس،
نختلف حتى على درجة حرارة دمشق،
هل تقع ضمن مناخ الدولة الجبلية أم الصحراوية؟
ثم نكتشف، متأخرين،
أن ما قُسِّم لم يكن الأرض،
بل نحن.
العلامات
قد تحب أيضاe
تصويت / تصويت
هل العنصرية ضد المهاجرين ممنهجة أم حالات لاتعبر عن المجتمعات الجديدة؟
الأكثر قراءة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!